عنوان الموضوع : الخدم بين القسوة والتساهل التام
مقدم من طرف منتديات الضمير العربي

بسم الله الرحمن الرحيم

الخدم بين القسوة والتساهل التام

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا



أما الذي يتعامل مع خدمه بمكارم الأخلاق، فلا يستكبر عليهم ولا يحتقرهم، ولا يظلمهم أو يقسو عليهم، وإنما يعاملهم بما يستحقون من إنصاف وعدل، دون أن يرفع الكلفة معهم، فهو يدل على أن أخلاقه الحقيقية راقية، وأنه كريم الأصل، كريم السجايا والنفس

ظاهرة وجود الخدم في منازلنا ومجتمعنا نعمة كبرى من الله عز وجل علينا، بشرط عدم الإسراف في استقدام الخدم، فإن بعض البيوت الخدم فيها أكثر من ساكنيها، وهذا إسراف مذموم وله مخاطر جمة اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، كما أن الهدف «وهو الخدمة» لا يتحقق على الوجه الأفضل بزيادة عدد هؤلاء الخدم، بل بحسن اختيارهم وحسن معاملتهم وإدارتهم، أما حين يكثرون ويفوق عددهم الحاجة الفعلية فإن إدارتهم - بحد ذاتها - هي خدمة شاقة، ناهيك عن المشكلات التي تقع لهم والتي تقع بينهم، فكل «خادم» رجلاً كان أم امرأة - فكلمة خادم في العربية يتساوى فيها المذكر والمؤنث -.

كل خادم هو بحد ذاته إنسان له مطالبه ومشاكله الصحية جسدية ونفسية، غير ما قد يخفى من مشاكل أخرى وسوء سلوك غير معروف، وبالتالي فإن زيادة عدد الخدم في المنزل - فوق الحاجة الفعلية - هو عبء على الأسرة، وهو إلى السيئة أقرب منه إلى الحسنة، فوق ما يترتب على ذلك من أعباء مادية، ومشكلات أمنية وأخلاقية، قد يعرفها أهل المنزل، وقد لا يعرفون..

أما وجود «خادم» بشكل عام فهو نعمة من الله سبحانه وتعالى تستحق الحمد والشكر، فقد حبا الله مجتمعنا بالخيرات والثراء، في هذا الجيل، بينما كان جيل أجدادنا يذوق مرارة الجوع والخوف، والأعمال الشاقة والموارد الشحيحة النادرة، ولم يكن أجدادنا - في معظمهم - يحصلون على قوتهم اليومي إلا بشق الأنفس، ولم يكن هناك خدم بطبيعة الحال، كان الرجل يعمل من طلعة الشمس حتى غروبها في حقله أو نخله أو «جمالته» وهي التجارة على «ظهر الجمل» في طرف الصحراء الشاسعة والمخيفة القارسة البرد شتاء واللاذعة الحر صيفاً، والمسكونة بالوحوش والهوام وقطاع الطرق من «الحنشل» قبل أن يوحد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه وجزاه خير الجزاء - هذا الكيان الممزق الكبير تحت اسم المملكة العربية السعودية، فيسود الأمن ويعم الرخاء ثم يزداد الثراء فإذا الناس يتنافسون في استقدام الخدم والسائقين، وإذا معظم الرجال لدينا لا يقومون إلا بأعمال مكتبية في مكاتب مترفة مكيفة الأجواء وفي مبان فارهة فخمة..

أما كثير من النساء الآن فلا يقمن بعمل يذكر سوى مشاهدة القنوات الفضائية وتصفح المجلات والثرثرة في الهاتف والاجتماع بالصديقات، وإلقاء الأوامر على الخادمات، ودعوة السائقين للاستعداد للخروج، بينما كانت المرأة في مجتمعنا - قبل توحيد المملكة - تطحن وتعجن وتأتي بالماء محمولاً على رأسها من مكان بعيد إلى بيتها، وتطبخ وتغسل وتنظف البيت والأطفال وتساعد زوجها على العمل في الحقل أو في جني العشب أو جمع الحطب، أو حصاد الزرع، كانت تقوم بأعمال متواصلة شاقة..

ونحن نذكر تلك الصورة القريبة منا، والتي لا يزال كبار السن في مجتمعنا يتذكرونها، لنعلم نعم الله علينا، ونشكره سبحانه وتعالى عليها، فإن الشكر عبادة وسعادة، وأصلاً لا وجود للسعادة بدون شكر الله عز وجل، فإن الشكر هو أجمل وأسهل وصفة للسعادة، وبه تبقى النعم وتزداد {ولئن شكرتم لأزيدنكم} صدق الله العظيم..

٭٭٭

إن «ظاهرة انتشار الخدم لدينا» ينبغي أن تواكب بالتوعية والتثقيف من وسائل الإعلام المختلفة ومن العلماء الأجلاء ومن خطباء المساجد الكرام، فإن كثيرين في مجتمعنا يجاهلون أصول التعامل السليم مع خدمهم، ويجهلون أو يتجاهلون ما للخدم من حقوق، ويغفلون عن مخاطر وجود الخدم في البيوت، حتى صارت معاملة الخدم لدى كثير منا بعيدة عن جادة الصواب، فهناك من يعاملهم بقسوة، ومن يعاملهم بتساهل تام، يوجد لدينا إفراط أو تفريط في معاملة الخدم، ولعل سبب ذلك التطرف يعود لحداثة عهدنا بالخدم وعدم وجود ثقافة متراكمة وأصول متوارثة في التعامل معهم، كما يعود ذلك إما للكسل أو لعدم الاكتراث بشؤون الخدم أو الاعتقاد بأنهم يجب أن يعاملوا بقسوة وعنف، وكل هذا لا خير فيه، الخير في الاعتدال، فلا قسوة.. ولا اهمال..

إن الخدم بشر مثلنا حكمت عليهم ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية بالتغرب والخدمة الصعبة في مجتمعات غريبة وبيوت لا يعرفونها حين يقدمون ولا يدرون ماذا يواجهون فيها، وهم لهم حقوق محفوظة في ديننا الإسلامي الحنيف ولكن كثيرين يجهلون ذلك أو يتجاهلونه..

القسوة على الخدم

إن بعض الناس ينظرون إلى الخادم وكأنه حجر لا بشر، ويستغلون حاجته وغربته وضعفه، فيقسون على لخدم بشكل كريه، ويؤذونهم اما جسدياً أو نفسياً، أو الأمرين، علماً بأن الإيذاء النفسي لا يقل شراً عن الإيذاء الجسدي، فالصراخ في وجه الخدم وسبهم وشتمهم ووصفهم بأقذع الألفاظ «وهذا موجود عند بعض الجهلة والعصبيين» يؤذي الخدم بشكل كبير، ويجعلهم يحقدون على مخدوميهم، ويتربصون بهم وبأطفالهم شراً، وقد ينتقمون منهم سراً أو علانية، وبعيداً عن خوف الانتقام فإن إيذاء الخدم محرم دينياً، وأمر منبوذ أخلاقياً، وهو أصدق دليل على أخلاق الإنسان الحقيقية، وعلى معدنه وجوهره، فإن إخلاق الإنسان الحقيقية لا تظهر إلا في تعامله مع من هم دونه، كخدمه على سبيل المثال، فإذا تعامل معهم بقسوة وعنف واستكبار واحتقار دل على سوء أخلاقه ورداءة معدنه وانه في أعماق إنسان كريه بشع الأخلاق، حتى ولو بدا هاشاً باشاً مع مديره، لطيفاً أمامه وكأنه نسيم الصباح، هذا تمثيل دافعه المصلحة أو الخوف، لأن مديره أقوى منه، ولا يحكم على أخلاق الإنسان الحقيقية بتعامله مع من هو أقوى منه، ولا مع من هو ند له، بل يحكم عليها بتعامله مع من هم دونه، ومن يقدر عليهم، فإذا عاملهم معاملة سيئة، جائرة وغير عادلة، كشف أعماقه، وأزاح الستارة عن حقيقة أخلاقه، وأثبت انه كريه الأخلاق، ظالم غير منصف ولا عادل ولا يتمتع بمكارم الأخلاق في أصل طبعه..

أما الذي يتعامل مع خدمه بمكارم الأخلاق، فلا يستكبر عليهم ولا يحتقرهم، ولا يظلمهم أو يقسو عليهم، وإنما يعاملهم بما يستحقون من إنصاف وعدل، دون أن يرفع الكلفة معهم، فهو يدل على أن أخلاقه الحقيقية راقية، وأنه كريم الأصل، كريم السجايا والنفس، لأنه عادل حسن الخلق مع من هم دونه، ومع من له عليهم قدرة، وهذا هو الميزان الحقيقي الذي توزن به أخلاق الإنسان: معاملته لمن هم دونه.. فإن كانت معاملة حسنة فإنه - بمجمله - إنسان حسن، وإن كانت معاملة سيئة، فإنه - بمجمله - إنسان أقرب إلى السوء..

إن الإسلام الحنيف، ومبادئ الأخلاق، وحقوق الإنسان، كلها تحرّم القسوة على الخدم، وإيذاءهم جسدياً أو نفسياً، أو تكليفهم ما لا يطيقون، قال الله عز وجل: {لا تكلف نفس إلا وسعها}، والخادم إنسان له حق الراحة والإجازة والخلوة بالنفس..

ومظاهر القسوة كثيرة ومنها تأخير صرف رواتبهم، وهذا مطل محرم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» كما أن احتقار الخادم والتعالي عليه ودعوته بأكره أسمائه إليه والصراخ في وجهه عنوان قسوة ونذالة، ويدل على بشاعة نفس، إن الخدم إخوة لنا في الدين أو في الإنسانية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خدمكم خولكم» أي إخوتكم.. ومن القسوة الخفية - والتي قد لا تبدو لفاعليها قسوة - تشغيل الخادم ساعات طويلة فوق طاقة الإنسان، والحرص على أن يعمل دائماً، مع أن الخادم له حق معلوم في الراحة والترفيه عن النفس..

(التساهل التام)

والوجه الآخر لسوء التعامل مع الخدم هو الثقة العمياء والإهمال التام أو شبه التام، بحيث لا يخفى على الخادم شيء من أمور البيت، ولا يحترز منه الساكنون، ولا يحرصون على أموالهم وممتلكاتهم، ولا يراقبونه إما لعدم الاهتمام أو الكسل أو للثقة الجاهلة، وهذا قد يدعو الخادم للسرقة «المال السائب يعلم السرقة» وقد يتفق مع لصوص من جماعته خارج المنزل والمثل يقول «إذا اتفق الخادم مع اللص عملا كل شيء» وقد يمارس الفواحش داخل البيت سراً وأهله لا يدرون ولا يراقبون، إلى مفاسد كثيرة يجرها الإهمال التام والثقة العمياء والتساهل مع الخدم في أمور لا يجوز فيها التساهل، وهذا يجعل الجرائم المالية والأخلاقية تزداد فتبلى بها الأسر وأقسام الشرطة والمجتمع كله..

الأساس في معاملة الخدم هو الاعتدال لا قسوة.. ولا إهمال..

ونعود فنؤكد ما ذكرناه أول المقال، من أن وجود الخدم نعمة من الله عز وجل، تستحق الشكر والرعاية وحسن التعامل معها، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خادمه هو أنس بن مالك، وكان عليه السلام يعامله أجمل معاملة..

ولا وجه لإنكار الاعتماد على الخدم في الأمور التي يحتاج فيها الإنسان إلى خادم، كما يفعل ذلك بعضهم فيدعو إلى عدم الاستقدام، والاعتماد على ربة البيت، إن البيوت الآن كبيرة، والمشاغل كثيرة، وطالما كان الدخل كافياً «داخل الأسرة» فإن وجود خادم أمر طبيعي، إذا عومل بما يستحق دون قسوة ولا إهمال..

تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:

«تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا خادم.. ولا شيء غير فرسه وناضحه (أي بعيره) فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ، حتى أرسل لي أبوبكر بجارية، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني».

منقول

>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :
اب اب اب

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :
اللهّم اغننا برحمتك عن رحمة من سواك ،

وبحلالـــــك عـــــن حرامـــــك ،

وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،

اللهّم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،

اللهّـــم آميـــن .

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :
للرفع.

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :
يزاج الله خير ^^

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :