رحلتي العلمية الأولى إلى لندن في شهر تموز عام 1977
د . عدنان جواد الطعمة
صورة لمبنى قاعات المرصد الفلكي بغرينتش
بدأت رحلتي العلمية الأولى عام 1977 لزيارة متاحف و مكتبات باريس و لندن و ألمانيا لفهرسة المخطوطات العربية في الرياضيات و الجبر
صورة لمبنى المرصد الفلكي
و الهندسة و تصوير القطع الفنية المعروضة في المتاحف و آلات الرصد الفلكية المعروضة في المرصد الفلكي غرينيتش ومتاحف لندن لدراستها .
حددت لتلك الرحلة شهرين من يوم الأول من شهر تموز لغاية اليوم الأول من شهر سبتمبر .
قررت البقاء في باريس لمدة أسبوعين و في لندن لمدة إسبوعين أيضا و في ألمانيا لمدة شهر واحد . غادرت باريس في يوم 15 تموز بعد أن
فحصت كافة المخطوطات العربية في الرياضيات والحساب والجبر والمقابلة والهندسة و توجهت لهذا الغرض إلى لندن ، حيث حجزت على
غرفة في أحد فنادقها لمدة اسبوعين في الطابق الثالث على ما أعتقد .
و في اليوم التالي توجهت إلى مدينة غرينيتش و ركبت مبكرا القطار باتجاه غرينيتش الذي كان يسير على مهل و يتأرجح مثل قطار الچطلة القديم في العراق .
و كانت معي ثلاث كامرات و عشرين فلما و بطاريات كافية و حاملا للكامرة و دفاتر و أقلام لغرض تدوين النصوص و الملاحظات المذكورة أمام كل آلة .
وفي أثناء السير صاحبتني أفكار و أشواق و لهفة وحب الفضول للتعرف على تراث الأجداد و الآلات الشريفة التي صنعوها بأدق الحسابات و روعة الإنتاج .
وأخذت الأفكار تدور في ذاكرتي و صرت مثل التائه في الطريق
(حسبة تجيبني و حسبة توديني ) ثم بدأت أتم تم و اغني بصوت واطئ
ما خطر على بالي من الأغاني العراقية أو أردد ما كنت أحفظه من قصائد
الشعر الشعبي العراقي و نصوص الأغاني فرددت قصيدة الشاعر الكبير المبدع مظفر النواب بعنوان للريل و حمد ( الريل معناه القطار . و بعد انتهائي من ترديد القصيدة بفترة
وصلنا محطة قطار مدينة غرينيتش . حملت حقيبتي الثقيلة على كتفي و نزلت من القطار و توجهت إلى الإستعلامات لغرض الحصول على خارطة الطريق إلى المرصد الفلكي الملكي في غرينيتش .
شرح لي موظف الإستعلامات الطريق و سرت داخل المدينة مارا بالشارع الذي يؤدي إلى المرصد الفلكي و متحف ماريتايم البحري .
و بالقرب من تقاطع الطريق على جهة اليسار شاهدت محلا تجاريا لبيع القطع الفنية و منها الإسلامية .
وشاهدت في هذا المحل التجاري أجهزة فلكية كالإسطرلاب والساعات الشمسية العربية . وأتذكر أني رايت إسطرلابات متنوعة إيرانية وعربية
و عجبني أحد الإسطرلابات العربية، سألت التاجر عن سعره ، فأجابني بنصف مليون باوند إسترليني .
شكرته و غادرت المحل متوجها إلى اليمين مارا بمنتزه أو بارك رائع كبير و صعدت إلى المرتفع أو الجبل و شاهدت قبة المرصد الفلكي .
دخلت باب المرصد الرئيسي و ذهبت إلى شباك بيع الكتب و بطاقات الدخول ودفعت مبلغا ثلاث باونات و نصف . ثم رجوت الموظف أن يقودني إلى المسؤول الكبير في المرصد .
و بعد أن قابلت المسؤول الكبير رجوته أن يسمح لي بالتقاط الصور بالفلاش و بينت له بأني سأنشر كتابا عن آلات الرصد الفلكية العربية
و لإسلامية المعروضة في المرصد الفلكي بغرينيتش ، فوافق و اخبر المراقبين بالسماح لي بتصوير كافة آلات الرصد بحرية تامة .
و فعلا بدأت يوميا مبكرا من اول دوام المرصد حتى انتهائه بتصوير كل آلة و نقل النص الموجز عنها بالإنجليزية دون توقف أو جلوس و بعد انتهاء الدوام عدت بالقطار إلى لندن .
و كررت زيارتي له يوميا لمدة أسبوع كامل أو بالأحرى ستة أيام دون انقطاع. و أحيانا كنت أعود بالباخرة من غرينيتش إلى لندن إذا فاتني القطار .
و في الأسبوع الثاني باشرت بتصوير آلات الرصد الفلكية في المتحف البريطاني و متحف العلوم و متحف فكتوريا إ . ألبرت و متحف التاريخ الطبيعي ,كما قمت بالتقاط أجمل الصور
للقطع الفنية الإسلامية المصنوعة من الفخار والسيراميك و المعادن المختلفة كلها التي كانت معروضة في المتحف البريطاني و فهرست كافة المخطوطات العربية في الرياضيات و طلبت بتصوير أوائل و نهايات المخطوطات بأفلام المايكرو .
وقد فاتني شراء كتالوج المتحف عن القطع الفنية للأسف الشديد، لأن مشروعي كان مخصصا لفحص وتصوير و فهرسة المخطوطات العربية في علوم الرياضيات والحساب و الجبر والمقابلة و الهندسة .
و بعد انتهائي من فهرستي للمخطوطات العربية في الرياضيات و الحساب و الجبر والمقابلة والهندسة واستلامي أفلام المايكرو ، عن
مصور ات الصفحات الأولى و الأخيرة لكل مخطوط و مجموع و دفعت أثمانها الغالية ، غادرت لندن إلى فرانكفورت في ألمانيا و بعد مضي شهر واحد عدت إلى العراق .
وفي عام 1978 غادرت العراق إلى ألمانيا لمواصلة جهودي الحثيثة للبحث عن كنوزنا تاخطية العربية والإسلامية و عن الأثار و القطع الفنية
و آلات الرصد الفلكية المحفوظة في خزائن مكتبات و معاهد وجامعات وكنائس و متاحف الدول الأوروبية وأمريكا التي زرتها .
و كتابي : آلات الرصد الفلكية العربية و الإسلامية في متاحف لندن و غرينيتش ، هو حصيلة جهود جبارة لأكثر من ثلاثة عقود وثلاث رحلات
خصيصة لإتمام الكتاب الذي أشرفت على تنضيده وطبعه في دار الرافد – لندن في رحلتي الخامسة 1998 .
والكتاب يقع في 128 صفحة و يضم مصورات آلات الرصد الفلكية العربية و الإسلامية المحفوظة فيى المرصد الفلكي بغرينيتش و فى
المتحف الوطني للملاحة البحرية و في متحف العلوم و فبى المتحف البريطاني و في متحف فكتوريا إ. ألبرت و أخيرا في متحف التاريخ الطبيعي .
وللفائدة العامة و الإطلاع عرضت عليكم نماذج مصورة عن آلات الرصد
الفلكية و صورا عن المرصد الفلكي والرحلة السعيدة، متمنيا لكم كل الخير و التوفيق .
تقبلوا مني أطيب تمنياتي
د .عدنان
ألمانيا في 5 شباط – فبراير 2016