انحنى الشاب "هنري" أمامها وقال معتذرا:
أعتذر على تصرفي هذا.
وجلس على الأرض وبدأ بجمع الكتب الذي سقطت وحين أنهض انحنى لها مرة أخرى وغادر القاعة من الباب الخلفي, شعرت "ساكورا" بالتضايق من تصرف
الفتاة "لوسكا" وذهبت إليها قائلة :
لماذا فعلتي هذا...؟
رفعت عينيها لتنظر إلى من يقف أمامها وتساءلت ببرود:
من أنت؟ وما شأنك؟
أخفضت "ساكورا" حاجبيها وقالت في آسى:
لقد أشفقت على ذلك الشاب.
أخذت "لوسكا" حقيبتها ووضعتها على كتفها قائلة:
الحقي به إذن... عليك يا عزيزتي ألا تنخدعي كثيرا, معظم الشباب هنا فاسدين وأنا أكرههم جميعا ولا يمكنني أن أثق بهم.
أغمضت عينيها وقالت بصوت خافت:
أنت مخطئة.
غادرت "ساكورا" القاعة وهي مستاءة جدا
وقفت بمحاذاة السور الذي في الدور الثاني من الجامعة وبقيت تنظر للطلاب في الطابق الأسفل وهي تتحدث مع نفسها قائلة في حزن:
من المستحيل أن تكون محقة في كلامها.
وشعرت ب "رينا" وهي تمسكها وتهمس في أذنيها قائلة:
انتظري هنا... سأذهب لأحضر لكي شيئا لتشربيه.
بينما كانت "رينا" في طريقها إلى الكافتيريا, توقفت أمام المكتبة, وفضلت الدخول لتلقي نظرة إلى الداخل, كان
هناك عدد قليل من الطلاب, وهي تتجول رأت "هنري" يضع الكتب على الرفوف ثم راقبته حتى انتهى وسألته:
هل أنت المسئول هنا؟
أجابها وهو يبتسم:
نعم... أحب الكتب كثيرا لهذا أردت أن أكون المسئول هنا.
عمى الصمت قليلا أرجاء المكان فالجميع منسجم في القراءة ثم قطعت "رينا" هذا الصمت بسؤالها:
ما أسمك؟..
أجابها بكل لطف وهو يلتفت إليها:
"هنري"... وأنت؟
شعرت ببعض الخجل وهي ترد عليه:
"رينا".
قال لها بمرح:
اسم لطيف.
أصبح وجهها ورديا من شدة الخجل وقالت:
شكرا لكي.
في ذلك الوقت, كانت كل من "ساكورا" و "ميمي" ينتظران على السور, وبعد مرور نصف ساعة على ذهابها قالت "ساكورا" في ضجر:
لقد تأخرت.
هزت "ميمي" رأسها وهي تقول بهدوء:
صحيح... ربما بسبب الازدحام.
فعلا... لقد كان الازدحام هائلا أمام الكافتيريا وفي وسط كل تلك الضجة وقفت "رينا" مع "هنري" وقالت في ذهول:
ما كل هذا؟
قال "هنري" مستغربا:
ربما أفقدهم الجوع صوابهم.
في إحدى الطاولات الموجود في صالة الكافتيريا, كان هناك شابان يقفان بجانب فتاة تجلس على كرسيها وتشرب العصير بكل هدوء بينما كان
أحدهن يتكلم بكل وقاحة وهو يضع يده على يدها المبسوطة على الطاولة ويقول:
ما رأيك أن نصبح أصدقاء؟
أبعدت الفتاة "تينا" العصير وأرجعته على الطاولة وقالت:
المعذرة, أنا لا أصادق القذرين أمثالك يا هذا.
شعر الشاب بإحراج شديد أمام صديقه وقال في غضب:
يا لكي من فتاة وقحة.
وقفت "تينا" وهي تحمل عصيرها ثم تظاهرت بأنها ستأخذ حقيبتها من الأرض وأسقطت الكوب من يدها عن قصد فوقع على بنطال الفتى
وتلطخ منه فقال في اشمئزاز:
ما الذي فعلته؟
أخفضت "تينا" حاجبيها وقالت في سخرية:
أنا آسفة, لم أكن أقصد.
ثم حاول مد يده عليها وبحركة سريعة رمت حقيبتها السوداء على وجهه بقوة وأسقطته على الأرض, وصمت الجميع ولم يسمع سوى صوت "تينا"
وهي تقول بكل ثقة:
لن أسمح لك أبدا بالاقتراب مني, وإذا حاولت ذلك مجددا تأكد بأنك سوف تندم.
حرك "هنري" شفتيه قائلا في ذهول:
يا لها من فتاة قوية.
ثم وجه كلامه إلى "رينا" بنفس النبرة:
ألا تعتقدين ذلك؟
اتسعت عينا "رينا" وهي تقول:
صحيح.
بعدها ظهرت على وجه "رينا" ملامح كمن نسي شيئا مهما وقالت في ارتباك:
يا إلهي, لقد وعدت "ساكورا" بشراء عصير لها ول "ميمي"... لقد نسيت تماما.
في نفس تلك اللحظة رفعت "ميمي" هاتفها النقال ونظرت إلى الساعة وتنهدت بعمق قائلة في استياء:
لقد مضت ساعة على ذهابها.
احترقت أعصاب "ساكورا" وضربت بيدها على السور وقالت في توتر:
تبا, لم أعد أحتمل هذا.
وسمعت صوتا لطيفا بجانبها يقول في مرح:
هذه العصبية لا تليق بفتاة جميلة مثلك.
أدارت "ساكورا" عينيها لترى من يقف بجانبها, ورأت شابا يقف في الجهة اليمنى من السور ويحدق بها بابتسامة صافية تعلو وجهه...
رفعت "ساكورا" عينيها وهي تقول:
عفوا؟.. . لكن من أنت؟
ضحك الشاب بمرح وقال بكل احترام منحنيا أمامهما:
المعذرة , لم أعرفكما على نفسي, أنا أدعى "روبرت".
لم تتمكنا "ميمي" و "ساكورا" من سماع آخر كلماته بسبب صوت الطائرة التي مرت من فوق المبنى الجامعي, ثم نظر "روبرت" للأعلى إلى تلك الطائرة
وقال بصوت هادئ جدا:
لقد عادت أخيرا.
وهبت نسمات هواء قوية, وحرك شعره البني اللامع ثم همست "ميمي" بداخلها قائلة في تساؤل:
من ينتظر يا ترى؟
وحدقت بوجهه قليلا وعقدت حاجبيها ببطء وتابعت:
لابد بأنه يعرف شخصا وصل للتو إلى هذه المدينة.
بعدها بقليل رفع "روبرت" يده اليمنى ورسم ابتسامة على وجهه وقال في سعادة:
أراكما لاحقا يا فتيات.
أخفضت "ميمي" عينيها وقالت في إعجاب:
كم هو لطيف!
وفجأة جاءت "رينا" مسرعة وهي تحمل كوبان من العصير في يدها ووقفت أمام كل من "ساكورا" و "ميمي" ومدت يديها وهي تتنفس بصعوبة
وتقول في تعب:
آسفة على تأخري.. . لقد كنت...
وسكتت حين رأت النار تشتعل في عيني "ساكورا" فابتسمت "رينا" وقالت بارتباك:
لم أقصد أن أتأخر عليكما , لكن هناك ما دفعني للتأخر.
عقدت "ميمي" ساعديها على صدرها وقالت في تساؤل:
ما هو هذا الشيء؟
أجابتها وهي تفتح عصيرها:
إنه موضوع طويل... دعينا نذهب إلى القاعة لنرتاح قليلا
ثم توجهوا للقاعة المقابلة لهم, وجلست "ميمي" على في مكانها وقالت بارتياح:
أشعر بالتعب, هذا الجو البارد في القاعة سيجعلني أنام.
لم تمر عشر دقائق على جلوسهم ليرتاحوا إلا وسمعوا فتاة تقول بأعلى صوتها:
هناك محاضرة للمستوى الأول في القاعة السادسة, هيا أسرعوا.
نهضتا "رينا" و"ميمي" بسرعة ورمتا بالعصير في سلة المهملات, وقالت "رينا" موجهة كلامها ل "ساكورا" التي لم تتحرك من مكانها:
هيا تحركي بسرعة وإلا سنتأخر.
أكملت "ساكورا" آخر رشفة عصير وتنهدت قائلة:
لم العجلة؟ ... انتظري قليلا.
حملت "رينا" أشياءها وهي تقول في عجلة:
يمكنك اللحاق بنا.
ثم ألتفتت إلى "ميمي" متابعة:
هيا بنا.
بعد خروجهم بدقائق, نهضت "ساكورا" ببطء, وحين خرجت توقفت عن السير قائلة في توتر:
يا إلهي, لا اعرف إلى أين اتجهوا؟
وتذكرت كلام الفتاة وتابعت طريقها راكضة لا تعلم مكان تلك المحاضرة....
وفي مكان آخر كانت "تيما" منهمكة بالرسم مع "اندي" في الغرفة, والتقطت "تيما" اللون الأبيض ووجدته قد نفذ من اللون فقالت في ضجر:
لقد انتهى اللون الأبيض.
فرمته على "اندي" وأمسكه بيده وتابعت كلامها قائلة بجفاء:
اذهب لشراء واحد آخر.
شعر "اندي" بالملل وقال في تساؤل:
لماذا لا تذهبين أنت؟
صرخت في وجهه قائلة في غضب:
اذهب وإلا فلن أتمكن من إكمالها... هيا بسرعة.
ضغط "اندي" على اللون بقبضة يده وعرف بأن "تيما" منفعلة بسبب ما حدث لهذا فضل عدم الرد عليها وحمل نفسه للخارج...
ركض "اندي" في الممر الفارغ بسرعة متوجها إلى محل أدوات الرسم وهو يقول مبتسما:
سوف تغضب كثيرا لو تأخرت.
من جهة أخرى ما زالت "ساكورا" تبحث عن المكان دون جدوى وبدأ القلق ينتابها كثيرا, وعند إحدى الزوايا اتجهت إلى الجهة اليسرى وأصطدم
بها "اندي" بقوة لأنه كان يركض ووقع فوقها, سقطت "ساكورا" على رأسها مما أفقدها وعيها بينما أصيب "اندي" بخدش في كتفه الأيمن وحين نهض
ورأى "ساكورا" أصيب بالذعر ووضع يده على كتفها وهزها وهو يرتجف قائلا في قلق:
يا آنسة... هل أنت بخير؟
فتحت "ساكورا" عينيها قليلا ولم تدرك ما هي عليه, وكان صوت نبضات قلبها يتردد في أذنها مع ألم في رأسها.. لم تتمكن "ساكورا" من رؤية "اندي"
بوضوح لأنها لم تستعد وعيها تماما... قام "اندي" بحملها بين ذراعيه فآلمه كتفه لكنه تحمل ليأخذها إلى الطبيب...
توترت "رينا" كثيرا أثناء المحاضرة وهي تضرب بقدمها على الأرض وتتساءل في نفسها:
ما الذي تفعله تلك الغبية حتى الآن؟
انتهى الطبيب من معاينة "ساكورا" ثم جلس على كرسي مكتبه, وسأله "اندي" عن حالتها فأجابه قائلا في اطمئنان:
إنها بخير.... لقد أغمي عليها بسبب الصدمة فقط, لا داعي للقلق.
شعر "اندي" بالارتياح ووضع يده على صدره قائلا:
الحمد لله ... لقد كاد قلبي يتوقف.
ثم جلس بجانبها ووضع يديها بين كفيه وقال بحزن شديد:
أنا آسف.
هبطت الطائرة على مطار تلك المدينة, ونزل الركاب وارتسمت على وجههم علامات التعب والإرهاق, وفي صالة المطار الكبيرة
كان هناك شاب يسحب الحقيبة على الأرض ويسير بجانب فتاة أكبر منه سنا, وتوقفت عن السير فجأة وقالت بسعادة:
وصلت أخيرا, لقد اشتقت إلى هذه المدينة كثيرا.
قال لها شقيقها الذي يسير بجانبها في تعب:
ما دمت بكل هذا النشاط, لماذا لا تقومين بحمل الحقيبة بدلا عني؟
التفتت "بريتي" إليه وقالت بابتسامة صافية:
حمل الحقائب تعتبر رياضة جيدة لك , أنا متعبة وأريد أن أصل للمنزل لكي أنام.
جثم شقيقها على ركبتيه وقال في إرهاق شديد:
يا لكي من فتاة كسولة.
بعدها قام بإيقاف سيارة أجرة وركب فيها مع "بريتي" وبعد مرور بضع الوقت وصلوا إلى المنزل..
اتجهت "بريتي" إلى غرفتها بأسرع مما يمكن ورمت بجسدها على السرير وقالت بسعادة:
كم هذا مريح!
لم تتمكن "بريتي" من تغيير ملابسها, لأنها غطت في نوم عميق ولم تشعر بشيء من شدة التعب.
في الجامعة, تخيلت "ساكورا" أشياء غريبة وهي نائمة, وخيل إليها بأنها تسمع صوتا مألوفا يعتذر إليها بحرارة وتوسل فقالت في داخل نفسها:
صوت من هذا؟
وفتحت عينيها ببطء, ورأت "اندي" يمسك بيدها, فاتسعت عيناها وأبعدت يدها عن قبضته بسرعة, فأندهش صم أبتسم
بارتياح وقال:
حمد لله على سلامتك.
سألته "ساكورا" في حيرة:
ما الذي حدث؟
أجابها "اندي" بكل لطف:
لقد اصطدمت بك فجأة, وسقطت على الأرض ثم قمت بحملك إلى هنا... أنا آسف لما حدث.
ارتبكت "ساكورا" كثيرا وهي تتحدث إليه:
لا داعي للاعتذار, لم يحدث شيء.
ثم تابعت محدثة نفسها في سعادة غامرة:
تمكنت من رؤيته أخيرا, لا أصدق بأنه يجلس بجانبي في هذه اللحظة.
وقطع انسجامها صوت تساؤله وهو يقول:
لم أتمكن من معرفة اسمك... هل يمكنك أن...
قاطعته قائلة في سرعة:
"ساكورا"... اسمي "ساكورا".
ابتسم في وجهها قائلا بإعجاب:
اسم جميل.
أحست "ساكورا" بقليل من الخجل وقالت:
ش شكرا لك.
عند كل دقيقة تمر, يزداد توتر "رينا" وقلقها عليها ولم يتبقى سؤال إلا وخطر في ذهنها, ولم تطمئن حتى سمعت المعلم يعلن عن
انتهاء وقت المحاضرة فانطلقت من مكانها بسرعة من دون أن تخبر "ميمي" إلى أين ستذهب.
اتجهت "رينا" إلى المكان الذي كانت تجلس فيه مع "ساكورا" لكنها لم تجد أي أثر لأغراضها وركضت عبر الممرات ويدور في ذهنها
سؤال واحد:
أين ذهبت؟
في تلك الأثناء, كان "روبرت" يقف في إحدى زوايا الطابق السفلي, وأخرج هاتفه من جيبه وحدد على رقم "بريتي" وضغط طلب اتصال,
رن هاتف "بريتي" وهو داخل حقيبتها, وهي تغط في النوم, وتخيلت بأنها تسمع صوت الرنين وحركت ذراعها وأسقطت الحقيبة على الأرض
من دون أن تشعر وتابعت نومها, تنهد "روبرت" في يأس وأغلق الهاتف قائلا:
لابد بأنها متعبة جدا, ولم تتمكن من الرد.
فجأة, رأت "رينا" بالمصادفة "ساكورا" تخرج مع "اندي" من إحدى الغرف واتجهت نحوهما, قالت "ساكورا" بهدوء:
أشكرك على اهتمامك بي .
هز "اندي" رأسه نفيا وهو يقول:
لا داعي للشكر.
ثم سمعا صوت "رينا" تقول وهي تتنفس بصعوبة:
وجدتك أخيرا, أين كنت...؟
أجابتها "ساكورا" في أسف:
المعذرة, لقد حدثت أمور كثيرة, سأطلعك عليها لاحقا.
اقترب "اندي" من "رينا" وأنحني قائلا:
أرجوا المعذرة, أنا السبب فيما حدث, أرجوك اعتني بها.
رمت "تيما" فرشاة التلوين على الطاولة بقوة, وعضت شفتيها قائلة في ضيق:
يا له من شخص عديم الفائدة.
وخرجت من الغرفة في الوقت الذي كان فيه "اندي" عائدا إلى هناك, ورأته بالصدفة وقالت بصوت غاضب:
ما الذي كنت تفعله طوال الوقت؟
بدا وجه "اندي" شاحبا وهو يقول بصوت منخفض:
أنا آسف "تيما".
ثم حركت عينيها ونظرت إلى الجرح الذي بكتفه فأمسكت بيده وجرته إلى الداخل, وهو مندهش من تصرفها الغريب, وأجلسته على الكرسي
وقالت بلطف وهي تبتسم في وجهه:
سأعالج جرحك, أبقى في مكانك ريثما أعود.
وضع "اندي" يده على كتفه المصاب وأغمض عينيه مبتسما بارتياح....
بعد انتهاء الدوام, امتلأت الساحة بحشد من الطلبة, وخرجت "ميمي" وهي تحمل أغراضها في يدها ووقفت أمام البوابة الرئيسية تبحث عن
سيارة السائق, لكنها لم تجدها وحاولت الاتصال عدة مرات دون جدوى...
همست "رينا" في أذني "ميمي" قائلة:
ما الأمر؟
أغلقت "ميمي" هاتفها وهي تجيبها بحزن:
لقد تأخر السائق, ولا يرد على هاتفه.
سكتت "رينا" لبرهة ثم قالت في حماس:
يمكنك أن تأتي معنا, سوف نوصلك.
أحست "ميمي" بقليل من الحرج, وهي تقول:
لا شكرا... بيتي بعيد عن هنا, لا أريد أن...
قاطعت "ساكورا" كلامها قائلة:
لا عليك... سوف نوصلك حتى لو كان في آخر العالم.
ارتاح قلب "ميمي" حين سمعت هذا الكلام وقالت:
شكرا لكما.
شغل "روبرت" سيارته وأنطلق بها إلى منزل "بريتي" لأنه لم يستطع الانتظار للغد, لذا عند انتهاء وقت الدوام وعد
نفسه بالذهاب إليها...
شارفت الشمس على الغروب, واستيقظت "بريتي" في ذلك الوقت, وكان الإرهاق واضحا على وجهها والتقطت حقيبتها من على الأرض
وفتحت هاتفها لترى من الشخص الذي أتصل بها, فرأت اسم "روبرت" فاتسعت عينيها وشعرت بالسعادة التي غمرت قلبها, في تلك الأثناء
وصل "روبرت" إلى منزلها وحين حاول الاتصال بها وجد أن هاتفها مشغول الآن لأنها كانت تتصل به في نفس اللحظة لهذا ظهر لديها الرقم
مشغول أيضا فقالت في حزن:
خسارة , كنت أود التحدث إليه.
اتجهت "بريتي" إلى الشرفة وبالصدفة رأت سيارته واقفة عند باب المنزل فابتسمت بلهفة ولوحت بيدها اليمنى عاليا وحين لمحها "روبرت"
نزل من السيارة وقال لها بصوت عالي:
أهلا, بعودتك ... "بريتي".
ثم أخرج باقة ورد من سيارته, وأقترب من المنزل ووجد أن الباب مفتوح ودخل.
لم تصدق "بريتي" عينيها وهي ترى "روبرت" يقترب منها وهي واقفة على الشرفة وتقول له بسعادة:
اشتقت إليك كثيرا.
بادلها بابتسامة وهو يرد عليها:
وأنا أيضا يا أميرتي.
وقفت "بريتي" على سور الشرفة فأندهش "روبرت" عندما سمعها تقول:
سأستغرق وقتا أطول إذا نزلت من الدرج.
أسقط "روبرت" باقة الورد ومد يديه قائلا بكل سرور:
تعالي إلي إذن.
قفزت "بريتي" من الشرفة إلى المكان الذي يقف به "روبرت" وأمسك بها وأحتضنها بحب وهو يقول:
انتظرتك طويلا, "بريتي".
نظرت إليه وقالت بصوت خجول:
ما الذي تقوله؟... لقد غبت عنك مدة أسبوعين فقط.
رد عليها وهو يداعب خصلات شعرها:
المهم أنك قد عدت.
فقام بإعطائها باقة الأزهار وهو يقول:
هذه هدية لك.. بداخلها بطاقة كتبت فيها كل ما أخذته اليوم في الجامعة... أريد أن أراك غدا.
هزت "بريتي" رأسها قائلة:
سآتي بالتأكيد.
في ذلك الوقت. وصلت "تينا" إلى المنزل, وهي متعبة وتوجهت مباشرة نحو غرفتها لتغيير ملابسها, ودخلت لتستحم وأحست ببعض
النشاط بعد الاستحمام, وحين خرجت كانت تضع المنشفة على كتفيها وفتحت خزانة ملابسها لتختار ما ترتدي للغد وشدتها بلوزة بيضاء جميلة
الشكل وحاولت أخذها وفجأة رأتها متعلقة بمسمار خارج من الخزانة فأدى إلى قطع جزء منها وقالت بإحباط:
تبا, كنت أود ارتدائها غدا.
ثم نزلت إلى والدتها التي كانت تجلس في غرفة المعيشة وسألتها قائلة:
أمي, أين هي الخادمة؟
أجابتها الأم بكل استغراب:
ألا تعلمين بأنها قد عادت إلى بلدها هذا الصباح.
أخفضت "تينا" حاجبيها وقالت :
كم هذا مؤسف!
بينما كانت "تينا" في طريقها للخروج من غرفة المعيشة سمعت والدتها تقول:
ما الذي تريدينه من الخادمة؟
أدارت "تينا" ظهرها وهي تجيب على تساؤل والدتها:
لقد تمزقت بلوزتي قليلا وأردت أن تصلحها لي... هذا كل ما في الأمر.
عندما عادت "تينا" إلى غرفتها أمعنت النظر إلى بلوزتها البيضاء ووجدت بأنه من المستحيل عليها إصلاح هذا القطع بيدها, ثم وجهت نظرها
إلى الساعة ووجدتها قد تجاوزت السادسة والنصف مساء.. فأخذتها وخرجت من المنزل وذهبت إلى أقرب مكان لإصلاحها, دخلت "تينا" إلى
أحد المحلات ووجدت شابا يجلس هناك فاستغربت, لم تكن هذه المرة الأولى التي تأتي فيها إلى هذا المحل لكنها اعتادت على وجود رجل كبير
في السن, فقالت بكل هدوء:
مرحبا.
التفت الشاب إليها وقال بكل لطف:
أهلا... هل يمكنني أن أخدمك بشيء.
ارتبكت "تينا" وهي تحدثه في تساؤل:
أين هو الرجل الذي كان يعمل هنا؟
أجابها الشاب باحترام:
لقد ذهب إلى المنزل... وأنا أعمل عوضا عنه في هذا الوقت.
اقتربت "تينا" من الطاولة ووضعت البلوزة عليها فأخذها الشاب وأمعن النظر إليها وأبتسم قائلا.:
يمكنني إصلاحه بسهولة.
أحست "تينا" بالسعادة وقالت:
هل يمكن أن يجهز اليوم؟
هز رأسه مجيبا:
نعم... يمكنك العودة للمنزل وحين أنتهي منه سأخبرك.
حين فتحت "تينا" الباب للخروج, سمعت الشاب يقول في تردد:
هل .. يمكنك إعطائي رقم هاتفك؟... لا تسيء فهمي, أريده فقط لكي أتصل بك حالما أنتهي.
ترددت "تينا" في البداية, لكنها فكرت بأنه ما دام الأمر متعلقا بالعمل فلا بأس, فقامت بكتابته في ورقه ووضعتها على الطاولة من
دون أن تنطق بكلمة ونظرت للشاب "مايكل" وكأنها تقول له "إياك أن تعطيه لأحد" فأبتسم قائلا:
لا تقلقي ... لن أستخدمه إلا مرة واحدة فقط.
رتبت "بريتي" أغراضها وأخرجتها كل من الحقيبة وأعادتها إلى الخزانة بينما كانت "ساكورا" تغط في النوم على سريرها...
أما "رينا" فقد استلقت على سريرها وظلت تقلب هاتفها النقال...
و "ميمي" تتبادل الأحاديث مع عائلتها وتحكي لهم عما حدث معها في الجامعة هذا اليوم...
فتحت "لوسكا" دولاب ملابسها وجهزت ما سترتدي ثم ذهبت للنوم...
وصلت الساعة إلى التاسعة تماما, وما زال كل من "تيما" و"اندي" بالجامعة...
أنهت "تيما" رسم لوحتها أخيرا وقالت بسعادة:
لقد أصبحت جاهزة الآن.
فرح "اندي" من أجلها ووضع كفه على كتفها قائلا:
لنعد إلى البيت الآن, لقد تأخر الوقت.
وأطفئوا الأنوار وخرجوا عائدين إلى المنزل....
أكمل "مايكل" إصلاح البلوزة, ثم قام بكيها وتغليفها جيدا لكي لا تتسخ, وبحث عن الورقة التي بها الرقم لكنه لم يجدها بأي
مكان فقال في حيرة:
ما العمل الآن؟
ونظر إلى البلوزة متابعا:
يبدو أن علي إيصالها بنفسي.
أغلق "مايكل" المحل وأتجه إلى منزل "تينا" لأنه بالقرب من هناك, وسار على قدميه في ذلك الليل الهادئ وفجأة رأى سيارة ضوئها ساطع
تقف أمام المنزل حين وصل فغطى عينيه بيده وقال بانزعاج:
يا له من ضوء... ألا يمكنه إنقاصه قليلا؟
نزل من السيارة رجل بدا عليه الكبر, ويبدو على ملامح وجهه أنه قد تجاوز الأربعين, لم يطمئن "مايكل" حين شاهده, فهو يبدو
عصبيا جدا من نظراته وصوته حين سأله قائلا بجفاء:
ما الذي تفعله هنا؟
عقد "مايكل" حاجبيه وقال بجدية:
أردت إيصال شيء لشخص يسكن هنا.
نظر الرجل إلى ما يحمله "مايكل" في يده وعرف بأنها تخص "تينا" فصرخ في وجهه قائلا:
يال جرأتك أيها الشاب, أتيت في هذا الليل لتقابل فتاة مدعيا بأنك توصل شيئا لها.
غضب "مايكل" من كلام هذا الرجل وأسلوبه الوقح ورد عليه بكل برود:
يبدو بأنك ترى الجميع مثلك.. أيها الرجل المحترم.
أدخل الرجل يده في جيبه وقال محاولا تغطيه غضبه:
ما الذي تقصده؟
ابتسم ردا عليه ليغيظه:
ما أقصده ... هو أنك لا تعرف معنى الاحترام وتشك بكل من حولك.
اقترب الرجل من "مايكل" ببطء ورفع يده ليضربه لكنه أمسك بها وأكمل حديثه:
أنا لم آتي إلى هنا لأتشاجر معك أيها السيد, لكن ما دام الأمر كذلك فقم أنت بإعطاء هذه للفتاة إذا كنت تسكن معها.
وأعطاه إياها ورحل... وهو في طريقه تنهد قائلا:
ما أغرب هذا العالم.
دخل والد "تينا" إلى المنزل ونيران الغضب تشتعل بداخله و نادي "تينا" بكل صوته فخرجت زوجته تتساءل في حيرة:
ما الأمر؟.... ما الذي حدث؟
نزلت "تينا" مسرعة حين سمعت صراخ والدها وحين وقفت على الدرج ورآها والدها قال في عصبية بالغة:
كيف تجرئين على مقابلة شاب دون علمنا؟
اتسعت عيني "تينا" وحاولت التركيز في سؤال والدها الغريب, وتساءلت بداخلها
"من هو الشاب الذي قابلته دون علم والداي؟" فسألت والدها في قلق:
من تقصد بهذا الكلام يا والدي؟
رفع والدها الغلاف وقال :
أقصد الشخص الذي أحضر هذا.
ردت "تينا" على والدها بكل ثقة وحزم:
والدي, لقد أسأت الفهم, أنا لا أعرف هذا الشاب .. كل ما في الأمر أنني أردت إصلاح ثوبي ولم أجد في
المحل سوى ذلك الفتى فأعطيته لكي يصلحها لي.
ثم تابعت كلامها وهي تقترب من والدها:
كما أنني لا أعرف شيئا عنه سوى أنه يعمل في محل الخياطة بدلا من الرجل المسن.
لم يتمكن الأب من الرد على ابنته التي أخذت ثوبها وصعدت إلى غرفتها, فجلس على الأريكة واخذ نفسا عميقا وقال في إرهاق:
يبدو بأن كثرت العمل أفقدتني صوابي.
جلست الأم بجانبه وحاولت تهدئته بقولها:
عليك أن تأخذ قسطا من الراحة.
أبعدت "تينا" الغلاف عن البلوزة, فرفعت حاجبيها وقالت في ذهول:
لقد قام بكيها أيضا.
وقامت بتعليقها على واجهة الدولاب, وأطفئت الأنوار وخلدت للنوم...
**************************************************