عنوان الموضوع : رواية ( دموع الحقيقة ) كامله رواية جميلة
مقدم من طرف منتديات الضمير العربي






كلمة الكاتبه :
في البداية أحيي الجميع ؛ وأشكر كل من تابع قصتي (سخرية القدر )؛ وأدعوكم لمتابعة قصتي الجديدة (دموع الحقيقة ) والتي تختلف كليا عن سابقتها من حيث الأسلوب والفكرة والأحداث التي تدور في احدى الدول العربية. لن أطيل عليكم؛ حتى تحكموا بأنفسكم؛ شكرا مرة ثانية...


(آه !! هاقد أتى شيخ القبيلة فاستفتوه ما شئتم..) تعالت الضحكات الرجالية المتصابية على التعليق الذي أطلقه جاسم بصوت مرتفع ماجن؛ تابع حديثه متشجعا بعد ان تأكد انه في موقع مرحب به بالمجلس نتيجة لخفة دمه التي غلبا ما يستغلها لصالح أعماله الشريرة قائلا بعد ان لمح علامات الضيق تعلو وجه أخيه الذي اتخذ له مجلسا شبه ناءي بعد ان ألقى السلام(قلي عباس؛ ما رأيك بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟؟) تبادل الحاظرون الهمسات واللفتات وقد فهموا مغزى السؤال المبني على مناقشة مثيرة سابقة قاطعها عباس بدخوله. رمقه بنظرة متفحصة ليستشف أسباب طرح هذا السؤال الغريب؛ والذي تزداد غرابته لكون ملقيه هو أخوه الأصغر جاسم الذي كان يصده بعنف كلما حاول نصحه وارشاده ؛ على كل حال؛ مهما تكن دوافعه فهو لن يخسر شيئا اذا أبدى رأيه بصدق؛ وقال بصوت ملي بالثقة والاعتزاز بالنفس (ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات المحتمة والمهمة لكل مؤمن وان كان أدائها لا يفرض بصورة عينية ؛ فهو من الأخلاق الضرورية التي يجب ان يتصف بها كل فرد لتقوية دينه والمحافظة على...) قاطعه جاسم بشكل مفاجى وقد علت وجهه الأسمر ابتسامة خبيثة (نعم؛نعم؛ المحافظة على العادات والتقاليد؛ أليس كذلك؟!) حدجه عباس بنظرة حذرة وهو يضيف(والقوانين الشرعية أيظا) تمتم جاسم بعدم اكتراث ( نعم؛نعم؛ هذا صحيح..) قاطعه عباسبنفاذ صبر؛ فهو ليس من النوع الذي يحب الدخول في دوائر مغلقة (هل لك أن تخبرني عن سبب سؤالك؟) ..( طبعا؛طبعا من حقك أن تعرف سبب سؤالي) وأطرق هنيئة ليتدبر بعض الكلمات المنمقة حتى لا يحرجه أخوه الأكبر كالعادة؛ وقال بعدها بحذر وتردد قصير (هناك فتاة ساقطة الكل يتحدث عنها ؛ وأنا ورفاقي رأينا ان من واجبنا....) قاطعه قبل أن يكمل وشرار الغضب يتطاير من عينيه؛ وقال في حدة مستعتبا (أولا.. دعنا نناقش كلمة ساقطة والتي أدليت بها جزافا ودونما أدنى دليل سوى ثرثرات فارغة ثلاثة الأرباع منها كذب وافتراء على بنات الناس) احتج جاسم بلهجة محتدة لا يملك سواها للحفاظ على مكانته أمام الحظور (بل انها حقيقة مائة في المائة ؛ والدليل موجود) تطلع عباس بامعان في عيني أخيه العسلية والتي تختلف كليا عن عينيه من جهة واحدة؛ وهي طبيعة النظرات التي تخرج منها . فكر عباس: لما لا يصبح جاسم مثله رغم الشبه الكبير بينهما شكليا والذي يجعل حتى والدتهما تصاب ببعض الالتباس بعض الاحيان ؟؟!! لماذا اتخذ له طريقا مغايرا لن يجلب له بالنهاية سوى الدمار ؟؟ ألا يكفي كونهما توأمين لكي يفكرا بنفس الطريقة و يتطلعا الى الحياة من ذات الاتجاه؟؟؟؟ لا ؛ يبدو له بوضوح في هذه اللحظات ان ذلك لا يكفي البتة!! قاطع جاسم أفكاره وقد اعتقد ان صمته المفاجى ما هو الا استسلام(أتعرف ان جميع من في القرية ليس لهم حديث سوى هذه الفتاة ؟ انها تعلن غرامها لكل طيف تراه من بعيد وقد ارتدى بنطلون جينز وسترة مقلمة!!) انفجر رفاقه ضحكا على تعليقه ؛ لدرجة ان دموع بعضهم قد سقطت من شدة التوتر ؛ ما عدا عباس ؛ فقد ظل واجما ؛ وقام بجمع شتات نفسه ليقف بمقابلة أخيه المستهتر وقد نضخت عيناه العسلية بغضب قاتل؛ وبغمرة اندهاش الجميع؛ صفعه صفعة قوية احمر لها وجهه واكفهر؛ وغادر المجلس بعدها ؛ وقد تبعته شتائم أخيه وتهديداته وقد تملكه الغضب بشدة (سترى؛ سأحطم وجهك؛ وسألوث سمعتك باشاعات ستقرر الانتحار على سماعها من شفاه الناس؛ أعدك!!)
اندفع عباس يطوي الارصفة طيا وقد قادته قدماه الى الامكان . حاول أن يسترخي ويريح أعصابه المشدودة ؛ فاندفعت كلمات أخيه الى مخيلته كشريط مسجل؛ وأكثر ما استرعى انتباهه هي كلمة اشاعات. نعم؛ جاسم ليس الا مروجا للأشاعات لا أكثر ولا أقل؛ ان لم يكن هو مطلقها؛ وأغلب الضن بان ما قاله عن تلك الفتاة ليس الا ثرثرات وجدت طريقها للتحريف والتضخيم؛ ولكن؟؟ هل تأتي النار بدون دخان ؟؟ يا ترى ما الذي فعلته تلك الفتاة لتستحق هذه النعوت الظالمة والمتهمة لها بشرفها وأخلاقها ؟! يال الفتاة المسكينة!!! قادته رجلاه أخيرا الى احدى المطاعم الصغيرة المركونة على جانب من الطريق؛ والتي يتهافت عليها أفلاد القرية رجالا ونساء ؛ رغم ما تتناقله الاخبار من عدم نظافة المكان. ابتسم عباس وأطلق كلمة ساخرة بقرارة نفسه وهو يتوقف عند المدخل( كلها اشاعات !!).. وألقى السلام على العامل الهندي الذي يسرع في أداء عمله بمهارة معتادة وألقى اليه ببعض الفكة المتبقية في جيبه وأخبره عن طلبه ؛ وعندما لاحظ مقدم مجموعة من الفتيات؛ تنحى جانبا بمنتهى السرعة ؛ وأطرق برأسه حياءا وخجلا. كان هناك موضوع مثير يناقشنه لدرجة ان اصواتهن كانت تصل اليه بشكل غير متعمد. حاول التجاهل؛ غير ان كلمة ساقطة قد جذبته بذهول باتجاه المتحدثة ( كيف تسمحن لأنفسكن بقول مثل هذه الكلمات البذيئة الشائنة دون ادنى دليل؟! وهل يحتاج الأمر الى دليل حقا ؟! ألم تكن جنان زميلتكن وصديقتكن أنتن أيظا؟! أتحتجن الى من يؤكد لكن انها طاهرة شريفة ؟؟ ياللعجب !! هذه القرية وكأنها دائرة استخبارات ؛ يراقبن الفتاة بكل خطوة عسى ان يمسكن عليها ثغرة ما...) تدافعت الأفكار برأس عباس بقوة ؛ ولم يستطع التهام سندويشاته !! أيعقل ان من يتحدثون عنها هي نفسها التي تحدث عنها جاسم منذ قليل؟؟ ولما لا؟؟؟ فعادة أبناء القرية ان لا يتركوا موضوعا لأجل موضوع آخر؛ الا اذا صار الموضوع الأول قديما وبطي النسيان؛ وهو لا يعتقد ان موضوع الفتاة المدعوة جنان موضوع قديم؛ فعلى ما يبدو هو موضوع الساعة بالقرية قبل ان تظهر ضحية جديدة!!! تنهد تنهيدة عميقة متألمة؛ ان وضع القرية خطير جدا ؛ فأبنائها لم يعد لديهم شاغل سوى تبادل الاشاعات وتناقلها ؛ وأصبحت الأمور الدينية موضة قديمة بالنسبة اليهم !! ان هذا الوضع لا يسكت عليه.._ هكذا قال عباس_ وهو يدخل المنزل متجاهلا موقع مجلس الرجال بشكل متعمد. نعم؛ لن ييأس؛ وستكون قصة جنان المحطة التي سيعبر من خلالها الى أفئدة الناس وعقولهم.... أيقظته والدته أم عباس من أفكاره وهي تضع أطباق العشاء بمقابلته وتسأله بالحاح (عباس يا بني؛ اذهب واستدع أخاك من المجلس؛ لقد جهز العشاء) حاول كتم غيظه جيدا وهو يتمتم قائما بتثاقل (حاظر أمي )................

>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :
في صباح اليوم التالي؛ استيقظ "عباس" على صوت المنبه .. تطلع الى الساعة وهو يفرك عينيه حتى يرى بوضوح؛ ونهض على الفور عندما تأكد انها الثامنة والنصف. لقد تذكر أن عليه تتمة المقال الأسبوعي الذي يرسله لأحدى المجلات التي خصصت له بابا كل أربعاء عندما أدركت مواهبه المدفونة. لقد كانت الطريقة الوحيدة للتعبير عن آراءه ؛ وكذلك التنفيس عن هوايته التي لم يكتب لها أن ترى النور لعدم متابعته لدراسته الجامعية بسبب ظروفه المادية . وأعاد قراءة المقال من البداية بهدف تنشيط ذاكرته؛ ولكنه بدلا من أن يمسك القلم ليكتب؛ أمسكه وألغى كل ما دونه بعلامة (اكس) كبيرة؛ وألقى بالأوراق بسلة القمامة المجاورة وهو يبتسم بتصميم..نعم_هكذا فكر "عباس"_ قضية مهمة كغفلة الناس لا يمكن اهمالها لأجل مشاكل المواطن المادية؛ فالأخلاق وفقرها أهم بكثير!! واندفع يكتب بمنتهى الحماس عن قصة "جنان" ولكن بأسماء مختلفة؛ ولم يعي لمرور الوقت؛ الا حين تناهى الى مسمعه صوت أمه وطرقاتها على الباب.. تطلع الى الساعة بفزع؛ لقد تجاوزت الحادية عشر وهو لم يغادر متوجها الى الورشة!! ونهض بعجلة وهو يجيب على استفسارات والدته ( بلى سأذهب يا أمي؛ ولكنني انشغلت قليلا) وصل اليه صوتها المتهكم قائلة بعتاب رقيق ( لا بد انك انشغلت بخط تلك المقالات ؛ أليس كذلك؟ انك تتعب عينيك لأجل لا شي يا "عباس"؛ انها تظرك فقط؛ والدليل أمامك؛ فقد تأخرت عن عملك!!) حاول جاهدا بأن لا يسمح لكلمات أمه باخماد معنوياته؛ مقنعا نفسه بأن كلمة الحق جزاءها عند الاله الكريم الذي لا يبخل؛ وغادر بعدها ودعوات أمه المحبة تلاحقه قبل ان تذهب للمجلس بهدف ايقاظ أخاه التوأم ؛ والذي غالبا ما ينام هناك بعد قضاء السهرة مع أصدقاءه الخاملين الكسالى... وجد "عباس" ان الذهاب للورشة ان يفيده شيئا الأن ؛ فقرر اعطاء نفسه اجازة لهذا اليوم _ يوم الجمعة_ والذي غالبا ما يكون اجازة لرفيقه الحميم "حسين" ؛ والذي يعمل برفقته بالورشة التي خلفها له والده رحمه الله. آن له أن يتحرى بصورة مكثثة عن بطلته "جنان" كي يستطيع دعم قضيتها بأدلة واقعية ملموسة.. ولكن؟؟ كيف بمكنه الوصول اليها؟؟ هذه أمرها سهل ؛ ف "حسين " لديه أخوات قد تعرف احداهن بعض المعلومات الهامة لهذه القضية التي اجتاحت كل منزل بالقرية الصغيرة.. وبعد ان لملم شتات نفسه؛ طرق على باب منزل صديقه ؛ فتفاجى بظهور احدى أخواته على استحياء؛ وسألت (من؟؟) سألها بأدب من وراء الباب ( هل "حسين" موجود؟) ..( لا؛ لقد ذهب الى السو...) وقبل أن تتم عبارتها؛ كان صوت "أم حسين" المعروف لديه يصرخ فيها بعنف وقسوة مبالغ فيها ( أنت يا "جهنم" !! من بالباب؟!) أجابت بلهجة يائسة وكأنها تعودت الأمر( انه رجل يسأل عن "حسين" ) صرخت فيها بقوة أكبر وهي تقول آمرة (اخبريه انه ليس هنا وتعالي؛ كفاك تباطؤا !!) أسرعت الفتاة في غلق الباب والرجوع الى الداخل بخوف غريب؛ بينما انصرف "عباس" وهو ذاهل لا يصدق ما يحدث له. كلمة "جهنم" استحوذت على تفكيره؛ أليست هذه الكلمة هي مضاد كلمة "الجنة".. أو نعم ؛ نعم.. انها مضاد كلمة "جنان" بالتحديد.. الفتاة التي بادلته ذلك الحديث القصير من وراء الباب ما هي الا بطلة قصته المتسلسلة "جنان" !!! ياله من أمر غريب؛ فالأحداث تأتي تباعا وبسرعة لا تصدق؛ والأغرب من هذا كله انها أخت صديقه "حسين"!!! ان أكثر ما يحيره هو الأدب الجم الذي لمسه من قبل الفتاة ؛ وموقف أمها وتشددها هو الدليل الأكبر ان ما يقال لا يتعدى كونه اشاعة؛ فهو يعرف "أم حسين" جيدا؛ ولو انها ليست واثقة بابنتها لطردتها من البيت على الفور. هناك أمور كثيرة لا تزال تحت ظلال الغموض؛ ويتطلب الكشف عنها بعض الصبر والروية. هكذا أكد "عباس" لنفسه وهو يعود لمنزله الصغير المتواضع ليواصل الكتابة بقصة أضحت بالنسبة اليه ليست قصة عادية أو عابرة. ان أكثر ما أسعد "عباس" في المساء ؛ هو زيارة "حسين" له. انتهز الفرصة ودعاه اتناول العشاء؛ وفعلا؛ ضمتهما غرفته الصغيرة؛ واحتل "حسين" طرف السرير؛ بينما جلس "عباس" على كرسيه الخشبي الذي أعده بنفسه. لم تسمح له شجاعته بالبداية بفتح الموضوع الذي يشغل تفكيره؛ فانتظر حتى انتهائهما من تناول عشاءهما؛ وتمتم وهو بتوجه لحمام الغرفة ليغسل يديه ( لم تخبرني؛ ماذا أحظرت لي من السوق؟!) ... ( وما أدراك انني ذهبت للسوق؟؟) ...( أعطيت نفسي اجازة ومررت لأراك؛ فأخبرتني أختك انك في السوق) تمتم "حسين" وقد تصبغ وجهه خجلا بشكل مفاجى ("جنان" الوحيدة التي أخبرتها بوجهتي) استغل "عباس" الفرصة ؛ فقال كمن تذكر أمرا ( نعم؛ نعم؛ أعتقد انني سمعت أمك وهي تناديها ب "جهنم" ؛ فخمنت انها تقصد مضاد الكلمة..) وقبل أن بتفوه "حسين" بأية كلمة؛ غادر "عباس" الحمام وشارك رفيقه الجلوس؛ وراح يربت على قدمه بمنتهى المحبة ( انني أعلم بكل شي؛ كان يجب عليك اخباري) تسمر "حسين" لا يدري ما يقول؛ فتابع "عباس" بلهجة مليئة بالصدق والثقة ( أنا أول من يصدقك ان قلت ان ما سمعته كذب) وعلى ما يبدو فقد تشجع "حسين" لكلمات رفيقه وارتاح لها ؛ فعبر عن وجهة نظره بكل شجاعة ( أؤكد لك يا "عباس" ان ما يقال عن أختي ليس الا كذب وافتراء؛ انني لا أعلم ما القصة بالضبط؛ انها متكتمة ولا تريد الافصاح عن ما حدث لتنتشر كل هذه الشائعات وبهذه السرعة ) هون "عباس" عليه وهو يقول برقة (لا عليك؛ كل شي سيكون على ما يرام؛ أؤكد لك) ................


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :
روايه جميله
يعطيك العافيه عبير
متابعينك ان شاءالله

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *مزون شمر* روايه جميله
يعطيك العافيه عبير
متابعينك ان شاءالله



الله يعافيك
مشكوره عالمتابعه
نورتي متصفحي

دمتي بود و بحفظ الرحمن

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :
اتخذت قصة "جنان" بعد الحوار الأخير بينه وبين صديقه الحميم منحنا أكثر أهمية بالنسبة اليه؛ فهو الآن يحارب عن شرف أخت رفيقه الذي وقف بجانبه بأحلك لحظات حياته ؛ وقدم له العون الذي يحتاجه بمختلف الظروف والمناسبات ؛ وآن له الآن أن يرد الجميل ولو بالنزر اليسير... اضطرمت الأفكار في مخيلته وهو يتناول وجبة غذاءه برفقة والدته وشقيقه الذي لا يراه الا بأوقات تناول الوجبات؛ وراح يحدد الكلمات التي سيستخدمها في مقاله الجديد ؛ ويزن مدى تأثيرها ومدى وقعها على القراء؛ حتى قاطعته والدته بقلق ("عباس" ؛ ما بالك يا بني؟ لماذا ذهنك مشغول دائما بهذه الأيام؟؟ ) وقبل أن يفتح فاهه ليرد عليها ؛ كان توأمه قد تبرع قائلا بسخريته المعتادة ( ربما عاشق!! مع انني لا أضن بأن هناك فتاة سترضى به ) لم يستطع "عباس" تجاهل تعليقه؛ وتعمد أن يرد عليه بحكمة لا بغضب واندفاع ( قد لا أملك يا أخي جاها ولا مالا ؛ ولكنني أملك ما لا تملكه؛ أملك الايمان الذي قد يؤهلني للزواج بامرأة متدينة راضية بقسمتها التي قسمها الله لها) لوى "جاسم" شفتيه باستهزاء وتابع تهجمه رغم دعوة أمه له بالسكوت واحترام أخاه الأكبر ( الايمان؟؟ قد لا أملكه ولكنني ملاحق من معظم فتيات القرية )حدجه "عباس" بنظرة غاضبة وقد احتقن وجهه أسفا على أفكار أخيه المنحرفة وقال بحدة بهدف ايقاضه من غيبوبته التي طالت كثيرا (لا بد ان هؤلاء الفتيات لسن الا مخدوعات بك؛ والا لما لاحقنك الا لاسداء النصح ) سيطر الغضب على "جاسم" لسماعه مثل هذه الكلمات من أخيه ؛ فراح يسب ويلعن ويصفه بأقسى النعوت ( لست الا متخلف معقد!! من تضن نفسك أيها المغرور؟ لست سوى حثالة !! أنت تغار مني؛ هيا اعترف يا شيخ الجامع انني أفضل منك ولهذا تكرهني !!!!) نهض "عباس" ليمسك بيد أخيه التي يلوح بها بشكل عشواءي مهدئا ( أنك مخطى يا أخي؛ أنا لا أكرهك..) قاطعه دون أن يهتم لسماع البقية وهو يصرخ بهستيرية وقد أبعد يد أخيه ( لا تقل أخي !! كلكم تكرهونني وتريدون التخلص مني ..) واستدار الى أمه وأكمل ( حتى أنت؛ تفضلينه علي وكأنني لست بأبنك !!) وغادر المكان بعد ان صفع الباب بقوة كاد أن يتحطم معها؛ استدارت الأم لأبنها الأكبر في أسى ؛ فوجدته وقد وضع يده اليمنى على جبهته بيأس ؛ وأخذ يردد كمن لا حول له ولا قوة (انا الى الله وانا اليه راجعون !) ...

كانت الأيام التالية لهذا اليوم بمثابة الكابوس بالنسبة ل "عباس" ؛ فقد استغل "جاسم" غضبه المزعوم وراح يكثر من سهراته خارج المنزل؛ فلا يعود الا قبيل أذان الفجر؛ مما زاد من تأزم العلاقة بينه وبين أخوه الأكبر الذي لم يستطع ردع نفسه عن اسداء النصح ؛ والذي يعتبره "جاسم" تدخلا في أموره الشخصية . ومع كل ما عاناه "عباس" مع توأمه؛ انشغل بعض الشي عن موضوع "جنان" ؛ وخاصة بعد اعتماده على ظهور نتيجة مقاله الأسبوعي بالمجلة. ولم يذكره شي بالموضوع الذي تناساه قليلا بسب همومه العائلية سوى حظور "أبو حسين" له بالورشة بعد نشر المقال بيومين؛ كانت تبدو ملامح الارتياح على سحنته وكأن حملا قد انزاح عن كاهله؛ بعد السلام؛ انحنى بتواضعه المعروف ليربت على كتفه بمودة حيث كان منشغلا باعداد خزانة للكتب(لقد قرأت مقالك يا بني ؛ كان رائعا ومؤثرا بدرجة مذهلة ؛ واصل ؛ وفقك الله ) غمرت كلماته "عباس" بالفرحة؛ وحمد الله كثيرا لهذا النجاح ؛ وسأله الصحة التي يستطيع من خلالها تحقيق ولو جزء بسيط من أحلامه السامية . أما "حسين"؛ فقد احتضنه بقوة وانهمرت الدموع على وجنتيه دون أن يحس ؛ وراح يردد بمنتهى الامتنان (لقد فاجئتني يا "عباس"؛ ولا أعرف كيف أشكرك) ربت "عباس" عندها على ظهره وقد غمره التحدي وشدة الاصرار ( هذا ليس كل شي)
ومما زاد سعادة "عباس" أيظا بعد نشر المقال؛ هو قلة خروج شقيقه وسهراته خارج المنزل بشكل ملحوظ. في البداية تعجب الأمر؛ ولكنه سرعان ما أدرك الحقيقة؛ ففي احدى الأيام التي كان عائدا فيها من صلاة العشاء للجماعة بالمسجد ؛ تفاجى بأن غرفته مفتوحة بشكل غريب؛ فأمه تذهب في هذا الوقت لزيارة جيرانها وغرفته لا تحتاج الى تنظيف !! مشى بحذر ناحية الغرفة لعل سارقا قد دخل على غفلة لخلو البيت من أصحابه؛ وعندما تطلع الى الداخل بوجل؛ تبين له ان السارق ما هو الا
شقيقه "جاسم" ؛ والذي كان يعبث بأوراقه بمنتهى التوتر ؛ وكأنه يبحث عن شي ما !! جمد "عباس" بمكانه لهول الصدمة ؛ ف "جاسم" لا يبحث عن النقود ليسرقها ؛ ان هدفه هذه المرة في غاية الخطورة والسرية؛ فما حاجته لحفنة من الأوراق وهو الذي لم يطق العلم يوما وتذرع بأوهى الحجج كي لا يتم دراسته الاعدادية؟؟ هناك سر ما ... راقب "عباس" ما يجري بسكون
ودون أن يثير أية ضجة؛ وبعد عدة دقائق من البحث المضني؛ شد "جاسم" اليه مجموعة من الأوراق وهتف بهمس وقد غمرته
فرحة غريبة ( وجدتها !!) وتابع (سحقا لك يا "عباس" ولمقالاتك التي تفسد علي حياتي) وعندها وعى "عباس" بأن مقاله الجديد في خطر؛ فدخل عليه على الفور ؛ وقبل أن يستطيع الايتاء بأية حركة ؛ كان قد اختطف الأوراق من يده بسهولة ورماها على السرير؛ وأمسك بعدها بسترة أخيه مهددا ( أخبرني يا أخي العزيز ما الذي تسببه لك مقالاتي لتتجرأ على دخول غرفتي وتسرقها؛ تكلم على الفور !!) صعق "جاسم" وراح يهذي كالمحموم خوفا على نفسه ( اتركني وسأخبرك بكل شي )
( قل أولا !!) ومع اصرار "عباس"؛ لم يستطع "جاسم " الا الرضوخ والتفوه بالحقيقة ( ان ما تكتبه يفسد علاقتي ب "جنان" ؛ فبعد ان قرأته توقفت عن مراسلتي نهائيا خوفا منها أن يسبب لها ذلك المزيد من الاشاعات..) صرخ "عباس" بذهول مقاطعا (كذاب !! لا يمكن ل "جنان" أن تكون علاقة معك!!) ... ( انني لا أكذب ؛ رسائلها التي بخط يدها لا تزال بحوزتي) تطلع "عباس" الى عينيه التي يطل منها الصدق لأول مرة ؛ وقاده الى المجلس حيث يحتفظ بحاجياته الخاصة؛ فتفاجى بصحة ما قال !!!!!!!!!

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :
كانت الأيام التالية لهذا اليوم من أتعس الأيام التي عاشها "عباس" ؛ وتعجب كيف ان فرحته بنجاح المقال قد تحولت بدقائق الى حزن عميق لا يقوى على حمله. تهرب من "حسين" كثيرا ولم يدر ما الحل ؟ فكلما مر بذاكرته وهو يؤكد ان ما يقال عن أخته كذبا ؛ تزداد حيرته وشروده؛ فمن المؤكد انه لا يعلم بأمر الرسائل ؛ وهذا ما يجعله مصمما على براءة أخته . أصر "عباس" على عدم اليأس؛ ووعد ربه وعدا صادقا بأنه سيجاهد حتى يكشف الستار عن كل الحقيقة مهما كلفه ذلك من عناء...
وفي صباح اليوم التالي؛ استيقظ "عباس" ؛ وقرر تأجيل مقاله الجديد ؛ وشارك بعدها والدته طعام الافطار. سعدت "أم عباس" كثيرا وقربت له البيض والجبن وقالت مشجعة ( نعم؛ هكذا يا بني؛ كل لتقوى عظامك؛ فلبدنك عليك حق!) أيدها ببسمة حانية
( معك حق يا أمي!) وبعد تناوله لما قدمت والدته؛ سكب له كوب من الحليب وراح يرشفه بهدوء ؛ لولا تذكره لأمر ما دفعه للتوقف؛ فراح يسأل أمه (أين "جاسم" ؟؟) تنهدت والدته وقالت بلهجة فاترة مستسلمة ( لقد عاد للسهر مرة أخرى ولا يزال نائما ) ربت على كتفها برفق ( لا عليك يا أمي ؛ سيعقل بيوم ما ) وغادر بعد هذه الكلمات الى عمله وقد اعتزم التحدث مع "حسين" بما يشغله ؛ وراح يطوي الأرصفة وقد شغل نفسه بالتسبيح الى ان وصل لورشته الصغيرة؛ حمد الله وتقدم لمصافحة صديقه الذي سبقه بالحظور ؛ فتفاجى بلهجته الفاترة برد السلام؛ فبادر بسؤاله عن سبب تغيره بمنتهى الصراحة (مابك؟ هل من خطب ما ؟!) حدجه "حسين" بنظرة حزينة وقد أشار لكرسي خشبي بجواره داعيا اياه للجلوس ؛ وابتدر حديثه بغيظ واضح لم يستطع السيطرة عليه ( أخاك المصون هو سبب كل المشاكل التي تمر بنا يا "عباس" ) جمد "عباس" ذاهلا لهنيئة وهتف بداخل نفسه (اذن ؛ لقد عرف !!) أكمل "حسين" مرضحا حين وعى لعمق صدمته قائلا (لقد أوهم أختي "جنان" بأنه يحبها وسيتزوجها ؛ ودون أن تخبرني صدقته لجهلها به؛ وأقامت معه علاقة عاطفية !)نطق كلمته الأخيرة بمنتهى السخرية وكأنها تعليق على حديث سابق خمن "عباس" انه حديثه مع اخته ؛ وأكمل بعدها بأسى ( لسذاجتها راحت تبادله الرسائل وبخط يدها ؛ وبعدها اكتشفت الحقيقة؛ هو من أطلق عليها تلك الاشاعات المهينة !! ؛ وقعت فريسة الحيرة ؛ وخافت من اتهام من يملك بحوزته أخطر الادلة ..) قاطعه "عباس" عندها وهو يخرج حزمة من الاوراق من جيب بنطاله
ويدسها بيد رفيقه قائلا بهمس وقد احمر وجهه خجلا لما سببه شقيقه من ازعاج كبير ( لم يعد يمتلكها؛ بوسعك الآن التصرف معه بما شئت!!) تطلع اليه "حسين" بتعجب؛ غير مصدق ما يجري؛ وبعد فترة من الصمت؛ تبرع "عباس" بازاحة باقي الستار لتظهر الحقيقة كاملة ( كنت سأخبرك ان "جاسم" أخبرني بأمر الرسائل بعد ان اصطدته متلبسا وقد أراد اتلاف مقالاتي ؛
اعترف ان علاقته ب "جنان" قد انتهت بسببها ) أتم عندها "حسين" الطرف الأخير من القصة متنهدا ( هذا كان نوع من المراوغة من قبلها؛ فهي تعرف ان لم تعطه سببا وجيها لتركه ؛ لما تركها وشأنها؛ ولراح يهددها بالرسائل التي "كانت" بحوزته) وشدد على كلمة "كانت" وهو يضم الرسائل الى صدره بفرحة غامرة ؛ وبعدها راح يربت على كتف صديقه مؤكدا ( لا تعتقد يا "عباس" ان ما فعله "جاسم" سيغير من شعوري نحوك؛ بالعكس؛ لقد تصرفت بشهامة عظيمة لتدافع عن سمعة "جنان" ؛ ولا أنا ولا هي سننسى لك ذلك أبدا ) شعر "عباس" عندها بارتياح لا مثيل له وكأن صخرة كانت جاثمة على صدره وانزاحت للتو؛ ونهض من موقعه ليحتظن رفيقه وقد راح يردد بحب غامر ( لن أرتاح حتى أحل هذه المسئلة نهائيا ؛ فلابد ل "جاسم" أن ينال عقابه ) ...( أنا وأنت نعلم جيدا ان "جاسم" بعيد عن التوبة كل البعد؛ ان كنت تريد أن تسدي لي معروفا بحق ؛ واصل سلسلتك لتخبر الجميع بما حدث ل "حنان" ( وهو الأسم المستعار ل "جنان" ) فيتعظوا ويكفوا عن رمي الناس بالتهم التي تقشعر لها الأبدان؛ ولا يرضى بها الله ورسوله )................


( نهاية الفصل الأول )