عنوان الموضوع : الحب الحقيقي قصة ( عمشا السبيعيه ) قصة حب
مقدم من طرف منتديات الضمير العربي

الجزء الاول
لبست عمشا السبيعية البرقع واليتم في يوم واحد .. ففي صبيحة ذلك اليوم استدعاها أبوها وأمرها ‏بارتداء البرقع وكأنه يحثها على لبس السواد حدادا على فراقه لأنه لم تغب الشمس حتى أتاه ثعبان ‏سام لسعه فأرسله إلى مثواه الأخير..‏
ولم يتبق لعمشا إلا عمها و‎ ‎وحيده مفرج , وحزنها وبرقعها وحسنها الذي يتسرب من بين خيوط ‏البرقع كأنه الفضة , حتى أن الذي يراها لا يدري هل الجمال الذي أخذته معها أم الذي تركته حيث ‏كانت ‏
ولوحت أيادي أبناء الحي تخطب ود عمشا فرفضت واكتفت بعهد قطعته على نفسها أمام عمها ثم ‏نشرته بين قبيلتها بأنها ستكون زوجة ابن عمها مفرج عاجلا أو آجلا .‏

وقبل أن يأتي "آجلا" أتى القدر المحتوم على هيئة رجل نسف كل هذا الحب وحطم قلبي الحبيبين ,, ‏فمن الجنوب أتى محمد المهادي فارس بمعنى الكلمة , ذو مال , ينحدر من قبيلة عبيدة قحطاني يتزعم ‏قومه يقودهم في إحدى غزواته نحو الشمال .. ولأن بين سبيع وعبيدة حلفا اختار المهادي أن ينزل ‏في ضيافة زعيم بني عامر من سبيع ثم يكمل رحلته ..‏
ترك محمد المهادي خلفه العشرات من بنات قحطان المغرمات بفروسيته وشعره لكي يحرق واحدة ‏من أجمل قصص الحب وليكشف أيضا بأن مفرج السبيعي يحمل في داخله جبالا راسيات وبحارا ‏تتدفق بالعطاء ومقدرة عظيمة على نكران الذات من أجل قبيلته .. فعندما دخل محمد المهادي أول ‏حي بني عامر وهو في مقدمة فرسانه شاهد عمشا وهي تمشي برفقة صبايا الحي اللائي جرهن ‏الفضول البريء للإمعان في مشاهدة هؤلاء الفرسان العابرين .‏

أما بالنسبة للمهادي فلم تكن النظرة عابرة فلقد عرفت عيونه من تختار وكيف تتصيد مواطن ‏الحسن والجمال حتى لو التفت بالثوب والوشاح والبرقع فرأى فيها العين الدعجاء وخيطا من النور ‏يتفلت من بين برقعها وشعرها وعنقا يرفع جبينها وساعدين ناعمين رغم قسوة الحياة البدوية وعادت ‏عمشا وبقية الفتيات إلى منازلهن فتهادى المهادي في مسيرته حتى عرف البيت ولأنه فارس عريق ‏تعامل مع الموقف بشهامة فلم يتلفت إلى دار عمشا ولم يتأخر إلى مؤخرة المجموعة , بل انطلق نحو ‏بيت زعيم بني عامر يفعل ما يشبه المستحيل للملمة جسده قبل أن يتساقط إربا تتسابق عائدة إلى بيت ‏عمشا. ‏

وفي بيت العامري بدا المهادي شبه غائب عن الوعي حائرا في كيفية الوصول إلى هذه الفتاة وغارقا ‏بين عشرات الأسئلة التي تحاصره : فمن تكون وما اسمها وأهلها هل هي متزوجة هل هي ذات ‏حسب ونسب .‏
هذه الأسئلة وغيرها طرحها المهادي على نفسه لأنه حسم أمره وقرر الزواج منها إذا لم تكن متزوجة ‏وعندما مضى أول الليل قرر المهادي أن الإجابة على تلك الأسئلة تتطلب الإقامة عند العامري فترة ‏من الزمن , لذلك اعتذر من قومه وطلب منهم تكملة رحلتهم وهو سينتظرهم في بيت العامري حتى ‏عودتهم بحجة أنه لم تعد له رغبة بالغزو وتعذر أيضا بأنه بدأ يشعر بمرض أنهك جسمه .‏

وأخضع المهادي نفسه للإقامة الإجبارية ليقطع الشك باليقين ويعرف إذا كانت تلك الفاتنة له أو عليه ‏رحل قومه تاركينه وحيدا في ضيافة العامري .. عاشقا حتى الثمالة يقلب فكره ليل نهار في كيفية ‏معرفة أي رجال بني عامر قادر على حمل السر ومساعدته في الزواج من تلك الفتاة التي سحرته ‏دون أن تعلم , قرر المهادي أن يتظاهر بأنه مصاب بالصرع وأنه يهذي أحيانا بكلام ليس له أساس ‏وبدأ يفعل ذلك كلما اجتمع أعيان القبيلة في بيت شيخهم في محاولة منه لمعرفة من أقدرهم على حمل ‏سره

كان يجالس أفضل الرجال يحادثهم حديث الزعماء والفرسان ثم فجأة ينقلب عليه مدعيا المرض ‏فيتشنج ويميل على جليسه ويتكئ عليه بعنف ليختبر قوته الجسدية والنفسية ..‏

ولم تطل تجارب المهادي لأنه وجد مفرج السبيعي أكثر الجالسين صبرا .. وعندما اطمأن إليه ‏واختبره أكثر من مرة .. دعاه إلى مكان قصي وصارحه بأن مكوثه وادعاءه الصرع كان من أجل ‏الوصول لتلك الفتاة التي عزم على الزواج منها .. طلب منه مفرج أن يصفها بدقة فانهمر المهادي ‏يصفها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها ويشبهها بالسحاب والخيل والبرق والماء والمطر حتى ‏وصل إلى ذكر منزلها الذي دخلت إليه , فسأله مفرج إن كان يستطيع معرفتها لو ذهبوا لنفس الدار ‏فأجابه بأنه يميزها ولو أتت برفقة مئة فتاة .‏

لم يعد مفرج يعلم ماذا يفعل غير أنه وعد المهادي بأن يعود إليه في الغد بكل ما يعرفه عنها ثم ‏اختفى في الظلام يرتقي الحزوم وقد ضاقت الدنيا عليه لأن ضيفه طلب منه أن يساعده في الزواج ‏من عمشا .. وكادت روحه تزهق لأنه صار ضحية المعركة التي نشبت داخله بين مفرج العاشق ‏الذي يرفض التفريط في حبيبته , ومفرج الفارس الذي إن وعد بالمساعدة فعل.‏

وبعد أن جف الدمع والغضب انتصر مفرج الفارس على مفرج العاشق , وهرول إلى أبيه يستشيره .. ‏فحسم الأب العجوز الأمر مثل السيف فقال :‏
‏-‏ المرة غيرها مرة .. لكن وين نلقى مثل عز المهادي
‏-‏
ولم يسمع مفرج لنداء القلب وانكب على وجهه يبكي بمرارة .. وأشرقت الشمس على المهادي وهو ‏في قمة أناقته وسعادته ينتظر وصول مفرج الذي وعده خيرا .. وفعلا أتى وأخذه إلى البيت الذي ‏تسكنه عمشا وهو يحمل الأمل الأخير بأن يختار بيتا غيره لكن المهادي قطع الشك باليقين .. فناداها ‏مفرج بصوت دامع مبحوح وانتفضت الأرض بعين المهادي حين نفرت عمشا من البيت ثم أدبرت ‏عائدة حين رأت برفقته رجلا سأله مفرج وفي عينيه بقايا إنسان إن كانت هي الفتاة المقصودة فأومأ ‏برأسه وضغط على يد مفرج وهو يصيح : تكفى يا مفرج لا تضيع وتضيع حياتي .‏
أخذ مفرج بيده وقال : هذه أختي وقد قبلت بك زوجا لها . ‏

ولم تغب شمس ذلك اليوم إلا وعمشا في خدرها والنساء يجهزنها للعريس غير المنتظر... أدمعها ‏ترفض الكحل وعيونها تبحث عن صدر أمها وقوة والدها فقد أحست أنها يتيمة من جديد وانتابتها ‏الظنون في صدق محبة مفرج لها ,,‏
وكان مفرج قد توارى عن العيون التي تحاصره بالأسئلة : لماذا تركتها له فدس رأسه في الرمل ‏والظلام يبكي بكاء مرا لم يعرفه من قبل ,, ولم تعرفه الصحراء من حوله ,, فهو لا يبكي فراق عمشا ‏ولا يبكي تفريطه بها ,, إنما كان بكاء جديدا مختلفا قادما من عالم الجنون، أتى ليأخذ مفرج معه ‏بهدوء ,, فالقبيلة التي ضحى بمحبوبته من أجلها اتهمته بالجبن والتنازل عنها ولم يسل أحدا منهم ‏سيفه ليمنع هذه الكارثة , بل ولم يقترب أحد يواسيه في مصيبته وتركوه يهيم على وجهه يطوف ‏الأماكن التي كانت تجمعهما , حتى وصل إلى مبيت الإبل وارتمى بجوار الناقة التي كانت تحبها ‏عمشا وتسميها "نعسانة" .‏


وأصابته حالة هذيان فانقلبت نعسانة في عيونه عمشا فأخذ يبكي أمامها معتذرا عن تفريطه بها .. ثم ‏حفر تحت أقدامها قبرا دخل فيه ثم استحث نعسانة حتى "نوخها" فوقه وأسلم عينه للظلام . ‏
ثم فجأة شق السكون صوت عمشا وهي تنادي بصوت خافت ،، فقفزت نعسانة كعادتها عند سماع ‏صوتها .. وانتصب مفرج غير مؤمن بصدق ما يسمع لولا أن نعسانة أكدت له بوقفتها .. ولولا ‏صوت المهادي وهو يقول : ‏
‏- غلبتني يا مفرج بطيبك , لكن أنا رديتها لك .‏

‏- وش صار ‏
اقترب المهادي منه ومد يده وانتشله من حفرته وهو يقول :‏
‏-‏ يوم دخلت عليها لقيتها واقفة مثل الذيب , حاولت أميل راسها بالشعر وعيت ,‏
‏-‏ ‏ قلت أنا فلان بن فلان وعندي وعندي‏
‏-‏ ‏ وقالت لي : اسمع يابن الناس ترى مفرج مهوب أخوي , هو ولد عمي وكنا بنتزوج بس ‏مرض أمه أخرنا " .‏
واتفقا على أن يقيم المهادي معهم عدة أيام حفاظا على سمعة عمشا ثم يرحل وإذا بلغ دياره أرسل ‏رسولا يخبرهم بطلاق عمشا .‏

وأقام برفقة مفرج عدة أيام تجمعهما في النهار بيوت الشعر وفي الليل يترافقان مع الذئاب لهما في كل ‏واد موضع نار ولمعان دلال قهوة ورائحة هيل وقصائد شعر , ونمت صداقتهما ومحبتهما إلى مرحلة ‏فوق الأخوة .‏

‏. ثم رحل المهادي وبعد عدة أيام جاء رسوله بالعطايا والهدايا ثم أخبرهم بطلاق عمشا .. فأفزع ‏العجوز وأسعد عمشا ومفرج ,, ‏



<center> >>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
================================== </center>

<h3>>>>> الرد الأول :
يعطيكـ العـآفيـة على القصة ..
وتسسلم يدينكـ مزون على التكملة =)

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الثاني :
ثانكس المشتاق واتمنا لك التوفيق بحياتك

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الثالث :
مشكوووووووووووووووور تقبل مروووري

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الرابع :
يعطيك العاااافيه مشكوووووور ماااااقصرت على المجهود الطيب

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الخامس :
نكمل القصه لانها ماهي كامله :


وبعد عشرين عاما ,,,,‏

كان منزل المهادي في بحبوحة من المال والجاه وزوجات سعيدات وأولاد تتوسطهم ابنته الوحيدة ‏‏&quot;نورة&quot; .‏
أما بيت مفرج فكان خاليا إلا من متاع قليل يعصف به الفقر ,‏
‏ وعلى الأرض أجساد ثلاثة من الأبناء ملتصقين في محاولة للاحتماء من البرد تحت قطعة سجادة ‏قديمة .‏

ولم يعد يستطيع أن يتحمل البقاء في دياره بعد أن فقد أباه وأمه وماله ,, &quot; شاور&quot; عمشا في أن يلوذ ‏بجوار صديقه المهادي الذي تأتي الركبان محملة بأخبار جاهه وأيضا تحمل سلامه الدافئ لصديقه ‏ودعوته لزيارته ..‏
‏. وفعلا توجه له هو وأولاده متدثرين بثياب تفضح فقرهم ..‏
‏ لم يكن ذلك الصباح صباح عيد إلا في عيون المهادي وصديقه ,, ‏
وأمر المهادي إحدى زوجاته أن تترك بيتها وتنتقل لبيت ضرتها .. لتكون الدار بما فيها لمفرج ‏وزوجته .. التي تسابقت العيون لاهثة لمشاهدة الساحرة التي سحرت المهادي بجمالها فجعلته يدعي ‏الصرع ويخاطر بحياته من أجلها.. .. فوجدنها شيئا من جلد على عظم .. ‏
ذهب الفقر بكل مفاتنها فما بقي منها إلا مرثية تسير على الأرض .. ‏
وفي داخلها انكسار يثير الشفقة ..‏
‏ حتى من زوجات المهادي اللاتي‏‎ ‎‏ خمدت نار غيرتهن واحتضنها كأخت ثالثة , ‏

وقبل خروج الزوجة الأولى همست بأذن عمشا بأمر ,, وبقيت عمشا تتنقل في الدار حتى غلبها ‏النعاس فنامت وهي ترتقب قدوم شخص ما بقلق .. دخل مفرج بيته قادما من بيت ابن مهادي في ‏الثلث الأخير من الليل وهو يحمد الله على تغير حاله .. وعندما دخل على زوجته وهي نائمة رأى ‏منظرا جعله يصاب بالجنون ...‏
‏. هذه هي عمشا وينام معها رجل غريب ,‏
‏, كانت قدمه أسرع من يده فركل النائم ركلة قوية اخترقت صدره ,, فقفز من شدة الضربة وأخذ ‏يترنح ثم سقط ميتا ‏
و قبل أن تفيق عمشا من هول الصدمة صرخت به : وش سويت فصاح : ذبحته وباذبحك أنتي بعد ‏‏.. وش جابه .. قالت : هذا ولد المهادي يضوي من المقناص تالي الليل ويرقد جنب أمه .. وما ‏درى إنها تركت البيت &quot; .‏

فقفز يقلب الجثة لعل وعسى .. لكن الجسد كان باردا .. وجلست عمشا عنده تتأمل زوجها وهو يقلب ‏رأسه .. ماذا عساه يفعل فالمسألة لم تعد مسألة قتل رجل .. بل تعدت إلى : ابن من هذا إنه ابن ‏الرجل الذي أهداني الحياة فرددت له هديته بالموت ,,‏

خرج مفرج ليخبر صديقه بالأمر ويسلمه نفسه ,, إن شاء قتله وإن شاء أعتقه ,, وفي بيت المهادي ‏كانت ردة فعله أن امتدت يده بسرعة لتقفل فم مفرج حتى لا يكمل الحديث خوفا من أن تسمعه أم ‏الفتى ..‏
‏ ثم خرج به وسأله إن كان أحد يعلم بذلك &quot; غيرك وزوجتك &quot; فنفى ذلك ..‏
‏ أدرك المهادي أن ساعة رد جميل مفرج أتت .. فأقسم عليه وعلى زوجته ألا يخبرا أحدا ,, ثم حمل ‏جثة ابنه وهرول بها إلى المكان الذي اعتاد أبناء القبيلة اللعب فيه .. فأسنده إلى إحدى الأشجار ‏وجلس يحرسه من السباع .. وهو يمرر يده على رأس ابنه ويتمتم : والله لو إن اللي قاتلك مية فارس ‏غير آخذ بثارك , والله لو إنك حي وأخذت رأيك غير تقول اللي تسويه يابوي هو المبارك ......... إلخ ‏‏. ‏

‏ ‏
واستمر يحكي عليه قصته مع مفرج حتى أشرقت الشمس واطمأن عليه من السباع ,, فانسل بسرعة ‏عائدا لبيته يرسم خطته .. ‏
و حتى أتى الصبيان يصرخون : سالم مات ,, سالم مات ,,, فتسابقوا إلى موقع الجثة وأطلق العنان ‏لحزنه، وثار غاضبا على الجميع وطالب بأن يدلوه على قاتل ابنه ‏‎.‎

‏,, ثم استمر يضغط على قومه حتى اجتمع كبارهم وطلبوا منه تحديد دية طالما جميع أفراد القبيلة ‏موضع اتهام ,, فطلب منهم ناقة عن كل رجل ,, وجمعوا له الإبل,, فقسمها قسمين ,, الأول أعطاه أم ‏القتيل في الحال ,, والثاني تركه حتى حين ثم أعطاه مفرج .‏

واستمرت الأيام تدور وتؤكد كم كان صبر عمشا عظيما وهي تجالس أم الفتى المقتول ولا تتحمل ‏الاحتفاظ بالسر إلا عن طريق العناية بالأم والاحتفاء بها ,, وكم هو عظيم صبر المهادي وهو يحاور ‏ويصادق قاتل ابنه ويتشاركان الزاد والحديث ,, وكم هو عظيم صبر مفرج وهو يواجه المهادي كل ‏يوم بابتسامته وهو الذي أرسل ابنه لعالم الغيب .. ‏


وبعد ثماني سنين فوجئ مفرج بصديقه يطلب منه الرحيل بطريقة غير مباشرة .. فأثناء لعبهم &quot; ‏الشيزة&quot;، كان يقول له : &quot; ارحلوا و‏‎ ‎إلا رحلنا &quot;.. كلما جاء دوره في اللعب , بدلا من قولهم &quot; العبوا ‏ولا لعبنا&quot; ..‏
‏,, عاد مفرج إلى زوجته يخبرها ويسألها ويستشيرها ,, ويشكو إليها حيرته من طلب المهادي .. لقد ‏سأل مفرج نفسه وزوجته و‎ ‎الثريا‎ ‎‏ و سهيل وأول الليل وحتى فرسه المتباهية ببياضها ,, ولم يجد ‏جوابا ,‏

‏ وضاعت حيلته إلا من أمر واحد أن يذهب إلى المهادي في الصباح ويستأذنه في الرحيل .. فإن منعه ‏امتنع .. وإن أذن له رحل .. لكن بعد أن يعرف السبب لأنه لا بد أن يكون في الأمر كارثة
‏ ,, التقى المهادي بمفرج بفتور ,, ورد عليه بمثل ذلك عندما طلب منه الرحيل بحجة شوقه لأهله .. ‏وكان الاثنان يعلمان أنها حجة كاذبة .. ‏
رحل مفرج وهو مذهول .. حتى حل الظلام فنزل بأهله في موضع من الأرض ..وهو لم يفق بعد من ‏الصدمة .. وكان يتساءل كيف سمح لنفسه بالرحيل قبل معرفة السبب

وتذكر أن من عادة المهادي كونه شاعرا .. أن يغني همومه على الربابة عندما تنام العيون ,, فضمن ‏أنه سيجر همومه على ربابته ,, فجمع أبناءه وأمرهم بأن يلزموا هذا المكان .. وتذرع بأنه نسي أمانة ‏للمهادي معه .. سيعيدها ثم يرجع بسرعة .. ‏

عاد مفرج للديار ولاذ بشجرة قريبة من بيت المهادي تستره حتى يسمع أحاديثهم .. وكان المهادي لا ‏يتحدث إلا لماما ويجيب باختصار على من يسأله عن رحيل مفرج فيقول : - مفرج اشتاق لجماعته , ‏راح يسلم عليهم وبيعود إن شاء الله ..‏
انفض المجلس .. ولم يبق للمهادي سوى الليل والدلال وأماكن كثيرة تركها مفرج فارغة لا يملؤها ‏سوى الربابة .. ومعها ومع الليل والقصيد تكشفت أول الصورة السوداء التي جعلت المهادي يطلب ‏من صديقه الرحيل .. ‏



يقول المهادي والمهادي محمد *** لا واعلتي جميع الورى ما درى بها
أنا إن بينتها بانت لرماقة العدا *** وإن كنيتها ضاق الحشا بالتهابها ‏
ثمان سنين وجارنا مجرم بنا *** وهو كما واطي جمرة ما درى بها

الله ما أعظم صبرك يالمهادي ثمان سنين وأنت تتحمل خطأ جارك .. ثم ما أعظم حلمك وحكمتك ‏‏ وأنت تتلمس الأعذار لجارك .. فأنت تتعذر له بأنه لا يعلم ..‏

رحل جارنا ما جاه منا زرية *** ولو جتنا منه ما جاه عتابها ‏
نرفو خمال الجار إلى داس زلة *** كما ترفو بيض العذارى ثيابها
ترى جارنا القالط على كل طلبة *** ولو كان ما يلقى شهود غدا بها
الأجواد مثل العد من ورده ارتوى *** والأنذال لا تسقي ولا ينسقى بها ‏
الأجواد مثل الزمل للشيل ترتكي *** والأنذال مثل الحشو كثير الرغا بها


ثم وصل إلى البيت الذي أنار الطريق في عيني مفرج وحدد موقع الداء :‏

ولي عجوز من سبيع آل عامر *** مضيعة غرانها في شبابها

هنا الدليل بأن رغبة المهادي في الفراق كانت بسبب ذنب عظيم ارتكبه أحد أبناء مفرج ضد جاره .. ‏وقبل أن ينسحب مفرج سمع جاره يقول :‏
أقسمت يا أرض خلت من مفرج *** ما أبغاها لو هو زعفران ترابها


انطلق عقل مفرج في كل الاتجاهات ومع كل الاحتمالات .. في محاولة لمعرفة الخطأ الذي ارتكبه ‏أولاده ومن منهم ارتكبه
وبدأت الأفكار تسابق الخطى .. ومع كل خطوة احتمال يرتفع وآخر يسقط .. إلى أن استقر أخيرا على ‏أن المهادي لن يغيظه إلا شيء يتعلق بالشرف .. وشرف المهادي يعني ابنته .. مما جعل مفرج يعزم ‏على اختبار أبنائه بشكل منفرد بدلا من مواجهتهم , ووصل إليهم مع شروق الشمس .. وبدأ الاختبار ‏‏.. ‏
فاستدعى أكبرهم وانفرد به وهمس له بلهجة فيها مكر : المهادي باعنا وطردنا من ديرته وأنا والله ‏منيب متحسف على شي أكثر من تركنا لبنته نورة .. ما كسبناها لا حلال ولا حرام ... نظر الابن ‏لأبيه باستغراب وقال : لكن هذي جارتنا ومثل أختنا ‏

غضب الأب ورفع صوته بحثا عن اعتراف فقال :&quot; مهوب دايم , أنا لو إني بعمرك كان ما تركتها ‏تروح من يدي&quot; .. لم يستطع الابن تحمل خذلان أبيه له فقال : والله لو تنطبق السما على الأرض ما ‏خنت جاري في محارمه . ‏
ضم مفرج ابنه ثم طلب منه أن يذهب جهة الشرق وأن لا يعود قبل المغيب ..‏
‏ ثم أخذ يحاور ابنه الأوسط وأكثرهم شبها به .. ويحاول جره إلى الاعتراف بأي شيء .. لكنه أثبت ‏لأبيه أن شرف الجار يحتل القلب والعين .. ‏

انشرح صدر مفرج لنظافة ذمة ابنه .. الذي كان شبيها بأبيه كما كان يحفظ كل قصائد جده .. وأتى ‏دور الابن الثالث وهو شاب يافع نماء وترعرع في ديار المهادي .. انهال عليه مفرج بالمديح حتى ‏انتفخت أوداجه غرورا ,, ثم قال والده :&quot; يوم كنت بعمرك كنت سيد النساء , ولو أنا في عمرك الحين ‏كان ما أرحل من ديار المهادي إلا وأنا ماخذ بنته يا حلال يا حرام ..&quot;،،
‏ ‏
‏ فانفرجت أسارير الفتى وقال دون أن يحسب عواقب الأمور : لو تأخرنا يوم واحد كان أنا أخذت ‏نورة بنت المهادي ،

كان هذا هو الدليل على أن هذا الابن هو سبب الرحيل .. لكن مفرج أراد أن يقطع الشك باليقين ‏وطلب منه أن يحكي له بعض التفاصيل .. فانطلق الابن يحكي أنه منذ سنوات يحاصر نورة أينما ‏ذهبت مستغلا صفاء نيتها وأهلها والقبيلة
‏ ,, ثم عندما علمت بسوء نيته أمرها والدها بعدم الخروج ,, ولكونها البنت الوحيدة كان لا بد لها من ‏القيام ببعض أعمال البيت ,, فاضطر المهادي إلى مرافقتها في بعض لوازمها , ولكن الشاب لا يخجل ‏و لا يخاف متماديا في وقاحته .. وأخذ يشرح لوالده كيف كان يسترق النظر لمحاسنها .. حتى وهي ‏منزوية تمشط شعرها..‏

وقبل أن يستطرد في وصفها كان سيف مفرج يلمع في السماء ليهوي على عنق هذا الابن .. فطار ‏الرأس وهو لا يزال يحمل بقية من الخبث الأسود لم يوقفه إلا التراب الذي ملأ فمه وعينيه .‏

قتل مفرج ابنه الأصغر بسبب فعلته .‏
‏. ولو علم بها قبل ذلك لقتله أيضا ..‏
‏ ثم أخذ رأسه وترك بقية جثته للخسيس من السباع .. ربما رجفت يده قليلا ودمعت عينه لوقت قصير ‏على قتل ابنه بيده .. ولكن ذلك لم يدم وقتا طويلا .. لأنه تذكر بأن المهادي أيضا فقد ابنه وبنفس اليد ‏‏.. أخذ مفرج رأس ابنه وتوجه لزوجته وأبنائه .. فأخفاه لأنه لا يعلم هل يقبلون بعذره في قتله أم ‏يغضبون ويفارقونه .‏

استدعاهم وشرح لهم الأمر .. وطلب منهم أن يقترحوا عليه طريقة العقاب .. فصاحوا بغضب أن ذلك ‏لا يتم إلا بقطع رأسه وإرساله للمهادي .. فقفز مفرج وأتى بالرأس .. لم يعد هناك مكان للدمع حزنا ‏أو البكاء أسفا على هذا الابن الذي أضاع نفسه عن أهله وهم بأمس الحاجة إليه .. الأم تعشق طفلها ‏وتقترح قتله وتشاهد رأسه مفصولا عن جسده بيد أبيه .. ثم يتوجب عليها قبول الأمر وأن تقتنع بأن ‏هذا فيه إرضاء للمهادي .. أما الأب فقد مضى أول ليلته وأمامه صورتان .. صورة رأس ابنه في ‏التراب .. وصورة المهادي وهو يقلب رأس ابنه مفجوعا .. وعند منتصف الليل انفطرت أكباد الابنين ‏ووالدهما يدفع إليهما برأس أخيهما ويصرخ بهما ليسرعا ويضعاه بين يدي المهادي .. ‏
انطلق الأخوان يحملان رأس أخيهما وقد تحول بكاؤهما إلى ظلام يضاعف سواد الليل يتبادلان ‏الرأس .. وكلما أخذه أحدهما تأخر قليلا عن أخيه لينهال على الرأس يقبله ويغسله بدموعه .. ‏
وتثاقلت خطواتهما وزاغت نظراتهما وهما يدخلان على ابن مهادي .. الذي فجع لمنظر ابني صديقه ‏وصاح : مفرج فيه شي ‏
فوضعا رأس أخيهما بهدوء أمامه .. فصاح بكل قوته : يا ويلك يالمهادي .. يا ويلك يالمهادي ... ‏واحتضن ابني مفرج باكيا وهو يردد : أخطيت يا مفرج .. أخطيت يا مفرج .‏
لم تحتفظ أي عين بدمعها في حي المهادي .. فقد اختار مفرج أصعب الحلول .. ذلك الحل الذي لم ‏يكن يريده هو ولا المهادي ولا زوجته ولا نورة ولا أبناء مفرج .. ‏
ذلك الحل لم يرده إلا التاريخ ليحتفظ بشيء قادر على تخليد ذكرى المهادي ومفرج و
عمشا‏



انتهت القصه