عنوان الموضوع : رواية (أدفنوا سري معي) قصة حب
مقدم من طرف منتديات الضمير العربي

(عودة سريعة مؤقتة)
كيف حال الجميع أتمنى تكونوا بصحة وسلامة

وكما هو واضح من العنوان (أدفنوا سري معي) هي روايتي القصيرة الأولى , لن أتحدث عنها كي لاافسد أحداثها ولكن اشير بأنها تحتاج إلى تركيز ذهني وعقلي عالي جدا في كل مجرياتها , لانها ذات طابع نفسي بحت ويلفها الغموض والسريالية من كل جوانبها , ولهذا السبب سأقوم بتنزيلها كاملة كي لايضيع القارىء وسط الأحداث .


(وللأمانة فقط) هذه الرواية كانت وراء توقفي , لأنني اعرف شخصا في (الفيس بوك يعمل في احدى دور النشر الكبيرة) وكانوا ينضمون مسابقة عن الرواية وطلب مني المشاركة وكتابة رواية تختلف عن المتدوال ومايكتبه الروائيين الآخرين , وبالفعل أستغرقني كتابتها 17 ساعة متواصلة ثم اشتركت في المسابقة وكان من ضمن شروط المسابقة الا تكون نشرت في الانترنت من قبل! ولم يعجبني ذلك , لذا بعد يومين قمت بسحب اشتراكي , وحين سألني عن السبب! أخبرته : بأن (من قيمني في كتابة القصة والمقال الأدبي هم اعضاء المنتديات) وهم السبب الاول لاستمراري في الكتابة , وأن كان ولابد أن اكتب رواية يجب ان يكونوا هم من سيقومون بتقيمي في مجال الرواية والأستمرار فيها من عدمه , فأتمنى ان تكون بالمستوى المأمول .

<center> >>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
================================== </center>

<h3>>>>> الرد الأول :
اهلا وسهلا بك - مزون

طبعا المؤلفين يصلون هذه الحالة واكثر ولكن ليس جميعهم هم فقط المبدعين والعباقرة والمهووسين بالكتابة والشخصيات والتقمص وهم نادرين جدا كما حدث مع (نيتشه),
بالنسبة للرواية هي لها مسميان قصة طويلة جدا او رواية قصيرة خصوصا بان الرواية ميزتها تكون الاحداث في اكثر من مكان

عموما انا بشكرك على مرورك وردك وتقييمك للقصة او الرواية
تحية خاصة

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الثاني :
بتلك الذكريات والجروح والضيم عاد (لؤي) لمخبأه الذي تمنى لحظتها بأنه لم يسكن بداخله أو حتى فكر في بناءه فلقد كانت تكلفته باهظة ومؤلمة وقاسية , يريد أن يصرخ ويشتكي ظلم الأقرباء وليس الغرباء ولكن لمن ولمن يشتكي (فالشكوى لدون الله مذلة)! تارة يجلس وتارة يقف! يكلم نفسه في أحيان ويبكي أحيانا أخر! هموما تكالبت عليه وجثمت على صدره لتزيده غما على غم .

نظر إلى أوراقه التي كتبها طوال سنينه وأسمع بكلماته من به صمم , ظل ينظر وينظر إلى قصصه وشخصياته ومشاكلهم التي فعلها لهم , شعر لحظتها بأنه عقابا لما فعل بإولئك (الناس الوهميين في قصصه) من ألما وجروحا ومعاناة سببها لهم وكأنهم ينتقمون منه , أخذ يقلب الصفحات تلو الصفحات يسترجع ذكرياته معهم قليلا قليلا (صرخ بهدوء وبكاء ونحيب) على كل شخصية في تلك القصص :
- أين أنت يايوسف ؟ لقد حققت حلمك وجمعت شملك بأبنك ؟
- أين أنت ياأبراهيم ؟ جعلت الجميع يهابونك وأنت جبانا ضعيف ؟
- أين أنتي ياساره ؟ يامن دفنت خطيئتك في الرمال ؟
- أين أنت ياصابر ؟ ألم تنجب لك زوجتك طفلا بعد أن كانت عاقرا ؟
- أين أنت ياناصر ؟ شهرتك التي حلمت بها يوما! ألم أحققها لك ؟
- أين أنتي ياغاده ؟ زوجتك بعد قصة حب جميلة ؟
- أين أنت ياسعد ؟ نصبتك رئيسا للبلد بعد أن كنت عاملا بسيط ؟
أين أنتم ؟ أين الجميع ؟ أهكذا تكافئوني ؟ حققت أحلامكم ؟ أمنياتكم ؟ لملمت جراحكم ؟ سترت عيوبكم ؟ كل شيئا أردتموه , فعلته لكم ولأجلكم أنتم فقط ؟ ولكن أنا أنا! لم أستفد شيئا منكم ؟ خسرت عقلي وذهني ؟ حتى حالتي النفسية تدهورت بسببكم ؟ أصبحت مدمنا لا أنام ليل أو نهارا لتقر عيونكم ؟ مقابل ماذا ؟ لاشيء! لاشيء! أخذتم مني كل مالدي وكل جميل لدي وكل حلم لدي وكل حياة لدي ؟ دون ثمن! بل دفعت الثمن غاليا وغاليا جدا ؟ أنظروا إلي! أنني أتكلم معكم ؟ لما أنتم صامتون هكذا ؟ لما لاتقولون لي شيئا جميلا ؟ لما تصدون عني ؟ فليجيبني أحدكم ؟ مالي أناديكم ولاتردون ؟ مالي أناديكم ولاتسمعون ؟ مالكم لاتردون جوابيا!

أستمر (لؤي) في حالة أنغماسه وضعفه وأنكساره يكلم الأوراق والكلمات والأحرف والشخصيات والحبر والصفحات وكل ماله علاقة ب(ن والقلم ومايسطرون) , حتى أرهق وتعب وهو يخاطب (لاأحد) دون أن يسمع جوابا من (لاأحد) , إلى أن أستلقى فوق سريره حتى غطى في سباته ويحلم بأن كل ماجرى فيما سبق مجرد كابوسا مخيف أفزعه في منتصف ليله .

أستيقظ (لؤي) من نوما وسباتا طويل أمتد لأياما ثلاث بلياليها وكأنه حلم ألا يستيقظ أبدا بعد كل تلك الكوابيس والصفعات التي تلقها من كل مما حوله , فرحته تلك لم تكتمل فحالته الذهنية والعقلية تدهورت بشدة قام يشد شعره قليلا يعض يديه ليلملم شتات نفسه الضائعة دون جدوى , تعاطى منبهات كثيرة ليستفيق مما هو فيه (وهو لايعرف مافيه)! أيضا دون نتيجة , شعر بأنه سيفقد عقله عقابا لذنبا لاناقة له فيها ولاجمل , ذنبا هو لايعرفه , جريمة لم يرتكبها , خطيئة لم يقترفها .

بينما هو وسط دوامته التي مانفك يخرج منها حتى تزداد دوران أكثر من ذي قبل , أحتار في أمره ماذا يفعل! وماذا يصنع! نظر هنا وهناك أستوقفه قلمه على الطاولة وتحته ورقه بيضة بدون ألوان تشوبها , ظل ينظر إلى القلم وينظر وعلى لسان حاله يقول : (يبدو أن كل الطرق تؤدي إلى هذا)! أحس بشيئا يختلجه من الداخل وكأن (الورقة والقلم)! ينادونه ليكتب آخر مالديه! ذهب كالمجبر وأمسك بالقلم وراح يكتب ويكتب ويخلد صفحات تلو صفحات , أحاسيس ومشاعر متناقضة , دموعا أختلطت بدماء , أشرارا وطيبون , أنذالا ومغلوبين على أمرهم , غرائب وعجائب , يكتب ويسرد مالم يقرأه بشرا أو يحلم به جان , أشياء تتضارب بأشياء , معادلات تتحدى ألغاز .

أنهى تلك الصفحات حتى أكتملت روايته وتحفته المجنونة التي كتبها في أسوء حالته وظروفه وأكثرها هوسا وجنونا أو كما يقولون : (هناك شعره رفيعة بين العبقرية والجنون)! وكأنه ولد فقط ليكتب مأنهاه لتوه , أعاد ترتيب الورق وتنظيمه قام بقرآئتها مرتين وثلاث ليصحح أخطاءها ويسد ثغراتها إلى أن وضع لمساته الأخيرة عليها ثم أغلق الكتاب .

خرج من كوخه الذي عاش به سنين عجاف بين هوسا وتخديرا وأقلاما وأوراقا وكلمات تاركا خلفه كتابه وروايته وذهب إلى منزل (فاروق) وراح يدق الباب ويدق! حتى فتحه (فاروق) وعلامات الدهشة بانت جلية على ملامحه من كل الموقف , فهو لم يرى (لؤي) منذ أن تعانقا في المجلس , كذلك تصرفات (لؤي) الغريبة الذي بدى مجنونا حتى لمن لم يره! باغته (فاروق) بسؤال : ماذا بك يا(لؤي)؟

ظل (لؤي) هادئا لحظة منتفضا أخرى يفكر وينظر إلى كل من حوله , شفتاه ترتجفان فالعبرة وصلت إليهما , وقال : هل تذكر عندما قلت لي بأنك حين تقرأ قصة لي تشعر كأنك تشاهدها أمامك ؟
تعجب (فاروق) من سؤاله , الذي زاد من حيرته وكأنه يسبح في عمق المحيط , وأجابه : نعم أذكر! ولكن لما تسأل ؟
بسرعة رد (لؤي) : نعم نعم! أنني بالفعل أرى الشخصيات في قصصي ماثلة أمامي كواقع وتكلم مع بعضها , لذلك أكتبها كما رأيتها , فحين تقرأها تجدها كأنها واقع! فهي واقعا لدي بالفعل أراها وأرسمها بالكلمات!
وكأن (فاروق) أمام معادلة لم يسمع بها من قبل , فقال له : يجب أن تهدأ قليلا الآن , وتدخل معي إلى المنزل .
أغمض عينيه (لؤي) للحظات بكى بعدها وقال : لاأعرف كيف ارى هذه الشخصيات (سمها وهما! سمها تأثير مخدر! سمها تلبس! سمها ماشئت)! ولكن يجب أن يعرف العالم كله ماكنت أعانيه وأنا أكتب , يجب أن تنشر الرواية التي كتبتها , لن أدفن روايتي بل هي من ستدفنني! الجميع لديهم أبناء يحملون أسماءهم! أبنك سيحمل اسمك من بعدك! لكن (أنا أنا) ليس لي أبناء! روايتي هي من ستحمل أسمي من بعدي! يجب أن تعدني بأن تنشر الرواية يا(فاروق)!
بدى (فاروق) ضائعا بلا حول أو قوة لايعلم ماذا جرى له , فقال في شتات موقفه : حسنا! أعدك بذلك .

أبتعد عنه (لؤي) دون وداع أو كلمة سار خطوات قليلة ثم توقف , وكأن شيئا أجبره على ذلك وظل ثوانا بتلك الحالة و(فاروق) ينظر إليه لتزداد الأحجية تعقيدا أكثر من سابقاتها , لحظات قال (لؤي) بصوتا هادئ جدا دون أن يلتفت خلفه : (أدفنوا سري معي)!
رد (فاروق) بسرعة مستفسرا : ماذا ؟ ماذا تعني بهذا ؟
أجاب (لؤي) الذي ظل على هدوئه : تلك أسم روايتي (أدفنوا سري معي)!
ثم رحل وأختفى ولاأحد يعلم أين أستقرت به الأقدار وحطت به الآراضين وحملته بين جلابيبها , مخلفا وراءه أسئلة كثيرة شغلت تفكير (فاروق) ووسوسة به وجعلته يقسم الستة والسبعة ويضربهم في ثمانية .

بعد أن يئس الجميع من البحث عن (لؤي) وفقد الأمل في رؤيته مرة أخرى , كان (فاروق) يعيش لحظات حزنا وأشتياقا وندم على فراق (رفيق دربه) وكل ماجرى له في حياته التي عانى فيها لوحده دون أن يشتكي , ذهب إلى كوخه (كوخ الذكرى) الذي كان يجلس معه هناك وينفضون لبعضهم مافي صدورهم من ضيم , لم يتمالك (فاروق) دموعه التي ظلت تنهمر منه وتنهمر على كل الوجع والويل الذي ضاقه من كان يعيش هنا .

ينظر هنا وهناك يسترجع كل اللحظات الجميلة والأليمة التي عايشها في هذا الكوخ مع صاحبه , أستوقفه مجلدا فوق الطاولة! أمعن النظر فيه جيدا إذ كان مكتوبا عليه: (أدفنوا سري معي)! عادت به ذاكرته إلى آخر محادثة جرت مع (لؤي) وأسم روايته , بسرعة فتح الرواية وأنكب عليها يقرأ ويقرأ بنهم آخر كلمات خلدها رفيقه الذي جعله يستحلف له وعدا بأن ينشرها , ظل يقرأ حتى أنهى تلك الرائعة المجنونة التي يشك من يقرأها بأنها كتبت بقلم بشرا وعقلية آدمي .

لكن ماأثار غرابته وجعل القشعريرة تمر في كل شعرة من جسده بأنه حين أغلق الرواية شد نظره ملاحظة كتبت في آخرها : (الرجاء ممن يقرء الرواية , لايعود لقراءتها مرة أخرى! لأنه سيفقد عقله ويصاب بالجنون , هناك أسرار وألغازا غريبة ستجعلك ترى نجوما في رابعة النهار! أن قرأتها ثانية , ستكتشف بأن الطيب فيها أصبح شرير والعكس كذلك! وستكتشف بأن الرواية هي ثلاث روايات وليست واحدة! وكذلك ستتفاجأ بأن النساء الكبيرات هم في الأصل فتيات صغار! ومن يبيكي سيتبين لك بأنه يستهزء بالآخرين! وأشياء كثيرة ستجعلك تكره ذلك اليوم الذي ولدتك فيه أمك , حتى تفقدك عقلك)!

يهمس (فاروق) في ذاته : ويحي! ماكل هذه السيرالية والغموض يا(لؤي)! لقد أصبتنا بالحيرة والدهشة وتكاد تفقدنا صوابنا! رحلت عنا وتركتنا نسبح وسط أمواجا وتيارات عاتية شديدة لانعرف مالغزها وحكايتها! اللعنة حتى أسمها مخيف! ظل (فاروق) يعيش صراعا ذهنيا عنيف هل يغامر ويقرأ الرواية مرة أخرى ويرى مايحدث! أم يتبع نصيحتها ويسلم نفسه وعقله! أسئلة كثيرة شغلته فضول يكاد يقتل صاحبه , راح يخاطب نفسه اللوامة : لم أعهد (لؤي) كاذبا! لاأظنه كتب هذه الملاحظة عبثا! كذلك هو فقد عقله! كل شيئا يوحي بصدق الجنون المزمع في آخر الرواية , فكر وفكر إلى أن قرر عدم قرآئتها مرة أخرى ذلك هو الحل الأمثل ليضمن سلامة عقله .

أوفى (فاروق) بوعده الذي قطعه لـ(لؤي) وذهب إلى كل دار نشر يستطيع الوصول إليها يخبرهم عن الرواية وصاحبها وأسرارها , حتى وافقت أحدى دور النشر على مراجعة الكتاب وبعدها ينظرون في طبع الرواية من عدمها , مر أسبوع وأسبوعان تلقى (فاروق) أتصالا هاتفيا من تلك الدار التي أبدت أستعدادها لشراء عقد الكتاب بأي مبلغا يطلبه حتى لو مايعادل كنوز البر والبحر .

ذهب إليهم لينهي كافة الشروط والعقود اللازمة , فسأل مدير دار النشر عن سبب تمسكه بالرواية بكل السبل والطرق ومايملك من مال ؟ قال له الناشر : يارجل! لجنة القراء لدينا الذين أطلعوا على الكتاب وأعادوا قرائته في محاولة منهم لتحليله وكشف غموضه لكنهم فقدوا عقولهم بالفعل ولم يستطيعوا أن يعرفوا شيئا كانوا يظنونها مزحة لعينة لكنهم أصيبوا بالجنون! كيف لاتريدني أن أتمسك بها , فلم نقرأ في كل كتب التاريخ عن شيئا كهذا! (ألغازها! غموضها! سرها! هيبتها)! من سيحلها إذ يجرأ , هذا الكتاب سيغير وجه الأدب إلى الأبد! سيخلد في صفحات التاريخ , وأنا أفتخر بأن أكون الرجل الذي يمتلك حقوق الكتاب , صدقني! من كتب هذه الرواية شخصا ليس مثلي أو مثلك , نحن بالنسبة له أقزاما على الرغم من طول قامتنا , يمتلك عقلا يتخطى به عقول البشر بمراحل كثيرة , أنه عبقري ولد قبل زمانه , أتعرف ما الأغرب من كل ذلك! لم يفهم أحد ممن قرأ الرواية عن سبب تسميتها بهذا الأسم ؟ هل تصدق ذلك ؟ حتى مسمى الكتاب يلفه الغموض في كل أحرفه ؟ حقا من كتبه يجب أن يرفع له العالم قبعاتهم أحتراما وخجلا ؟ لكنك لم تقل لي ؟ أين هو صاحبها ؟
خجل (فاروق) من سؤاله وكأنه أصابه في مقتل , متهربا منه لحظات قال بعدها : أما هذا فمالاأستطيع أن أجيبك عليه! غادر بعدها تلك الدار براحة ضميرا ونفسا مسرورة حينما أيقن بأن الرواية أصبحت في الأيادي المناسبة والحريصة عليها أشد الحرص .

قدمت دار النشر رواية (أدفنوا سري معي) في كل المحافل الدولية ومعارض الأمم المتحدة وأشهر جامعات وكليات الأدب والفلسفة , أصبحت الشغل الشاغل في العالم كله لاأحد يتحدث عدى عن هذه الرواية التي تصدرت عناوين الصحف والمجلات والتلفزيون والأعلام بشتى مجالاته .

تلك الثورة التي أحاطت بالرواية في كل اصقاع الأرض لم تستطع أن ترسم أبتسامة ولو زورا على شفاه (فاروق) فكيف يفرح ويسعد ويصفق بينما صاحبها لاأحد يعلم عنه خبرا , مرت أياما وشهورا اخبرت الشرطة عائلة (لؤي) وأهل قريته بأن أبنهم يقبع في مستشفى الأمراض العقلية منذ فترة ليست بالقصيرة بسبب (جنونه المستعصي) .

ذهب (فاروق) لزيارته والأطمئنان عليه رغم علمه بتلك العلة التي أذهبت بعقل صاحبه , لكنه أراد رؤيته بمرأ العين (فالعين ترى والقلب يشتاق)! بالفعل دخل عليه وجلس معه لكنه لم يستطع النظر إليه لشدة حالته المستعصية وجنونه الذي أنساه كل ماكتب وكل نسب .

أسترجع (فاروق) الذكريات التي جمعتهما خصوصا المؤلمة منها ومافعله بـ (لؤي)! يبكي ويبكي وشعوره بالخطيئة والندم كمسامير تدق دقا في كل عروقه لتصل عظامه , لحظات رفع رأسه ونظر إلى (لؤي) الذي لايعرف من أمامه , وقال : أرجوك سامحني! وسامحهم جميعا! أخطأنا في حقك كثيرا! أنظر مافعلنا بك! بئسا! لقد قتلناك مرة حتى طمعنا وأعتدنا هذا الأمر وقمنا نقتلك مرارا وتكرارا! قتلناك بألسنتنا وجهلنا وعقولنا وتعصبنا وقلوبنا! بكل شيء قتلناك يا(لؤي)! لما قتلناك وتفننا بك تعذيبا وسخرية وحقارة! اللعنة حتى أنا لاأعرف أجابة لهذا السؤال!

نظر إليه (لؤي) وأمعن النظر فيه جيدا مما أربك (فاروق) من تصرفاته وكأنه خشي أن يستعيد عقله ويفهم كل ماقاله , ألا أن (لؤي) تبسم في وجهه
وسأله : من أنت ياهذا ؟
أجابه (فاروق) بعد أن طأطأ راسه : أنا رفيق طفولتك ومراهقتك ودربك! أنا وأنا وأنا ... وراح يسرد له قصتهم مذ كانوا صغارا حتى عناقهما في المجلس وجفونه تقرحت من دموعها , هنا بكى (لؤي) وبكى!
مما أخاف (فاروق) كثيرا فسأله : مايبكيك ياأبن عمي ؟
قال (لؤي) : هذا الرجل الذي تتحدث عنه المسمى (لؤي) , أتذكر بأنني أعرف شخصا يشبهه كثيرا!
شعر (فاروق) بفرحا عارم ظنا منه بأن صاحبه أستعاد عقله! بسرعة سأله : هل تذكرته الآن ؟
(لؤي) : لا لا! ولكنه ذكرني بحلم راودني!
أثار ذلك غرابة (فاروق) فقال له متسائلا : أي حلم ؟
(لؤي) : حلم الطفولة والشباب! حلم الضيم والقهر! حلم من باعوني بأسعار التراب!

لم يتمالك (فاروق) نفسه حينما سمع , قام وأحتضنه بقوة شديدة وكأنه لايريد مفارقته يقبله تارة ويمسح دموعه تارة أخرى , يتمتم ويقول : اللعنة يارجل! حتى عقلك سلبناه منك! سامحنا أرجوك! لقد عاقبناك بلا ذنب أو جريمة! ليت الزمان يعود لنكفر عن خطايانا! خرج بعدها (فاروق) من غرفة رفيق دربه متألما متحسرا نادم .

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الثالث :
وبينما هو يسير في أجنحة المستشفى مستندا على الجدار لثقل الهموم بداخله , جاء إليه أحد العاملين في المستشفى وقال له : الطبيب في المكتب يريد رؤيتك ؟ فذهب (فاروق) وهو في حالة سكونه ودخل غرفة الطبيب وجلس , فلم يعد قادرا على الوقوف أكثر وسأله : هل أردت رؤيتي ؟
- الطبيب : نعم نعم! المريض (لؤي) الذي خرجت من غرفته لتوك , هل تعرفه ؟
- فاروق : أنه قريبي , ولكن لما تسأل ؟
- الطبيب : أردت أن أسألك عنه بعض الأشياء , لأنني الشخص المكلف بمراقبته ودراسة حالته , لأنني لم أفهم سبب جنونه , فالرواية التي كتبها تخبرنا بأن لديه نسبة ذكاء عالية جدا أكثر من الآخرين ؟
- فاروق : كان ذكيا بالفعل ودودا مع الجميع برغم وحدته , يكتب لغيره ليسعدهم , لكن احدا لم يقدره , لقد كان حالما ؟
- الطبيب : الحلم! هذا ما أردت أن أسألك عنه , فمنذ دخوله المستشفى لم يقل شيئا , فقط يردد جملا عن أحلاما وحلما أراده! فما سبب تعلقه بالأحلام ؟
بكى (فاروق) متوجعا لسؤاله , لملم شتات نفسه واستجمع قواه وقال : أنها ليست أحلام بل حقيقة أفقدته عقله!
- الطبيب : دعنا لانتعجل في الحكم ؟ لكن ماذا يقصد بهذه الأحلام ؟
قال (فاروق) الذي لم يفق من حزنه بعد : أما (حلم الطفولة والشباب) فيشير إلى خيانة أبن عمه وكيف نهشه لحما ودما ولم يحترم طفولتهما وشبابهما معا! أما (حلم الضيم والقهر) فيقصدالمكان الذي عاش فيه وتربى وماذاق ويلاة من أهلها! أما (من باعوه بسعر التراب) فهم شخصيات خطها على الورق في قصصه , كرس حياته لإجلهم وأعتزل العالم وأحبهم , مقابل ذلك لم يستفد شيئا منهم!.

سكت (فاروق) قليلا ليريح نفسه من كل ماعاناه وأحس به من خطيئة , قال بعدها : في كل قصة كتبها تجد حزنا ودمعة , تجد أوجاعا وآهات , تجد ألاما وأحلام! كلها أحلام , كتبها أحلام! كل شيئا في حياته أراده وحلم به كتبه وجعل شخصيات وهمية من الأحلام تعيشه وتشعر به وتعانيه! أصبحت كل حياته أحلام! طفولته وقريته وقلمه وعالمه! كان يعيش أحلاما لم يستطع أن يعيشها في واقعه , ففضل الحلم وأختاره وتعلق به ولم يريد الأستيقاظ منه! قسى على نفسه بكل سادية وأستمتع بذلك من أجل حلم , بل أحلام أعطته أملا , عل وعسى أن تتحقق يوما ما! فقد عقله ولم تتحقق هذه الأحلام! لقد كان يحلم أيها الطبيب! كان يحلم! حتى أحلامه تحاسب عليها!
- الطبيب : أنك محق! دائما يتعلق الآخرين بأحلامهم وأمانيهم , فالحلم هو مايعطي الأمل بالحياة , وكذلك الذين يعانون من مشاكل نفسية وذكريات مؤلمة وطفولة قاسية وشعروا بالظلم والقهر , يهربون من واقعهم ويفضلون الحلم على مواجهة مشاكلهم .
- فاروق : كما حدث مع (لؤي) فقد عقله بسبب أحلامه ؟
- الطبيب : أستبعد هذا الأمر! فالكتاب بطبيعتهم أنعزاليين وأنطوائيين ولايحبون الأختلاط بالآخرين , ولكثرة جلوسهم لوحدهم هم صريحون جدا مع أنفسهم , (لؤي) يعرف ماضيه ومشاكله لكن صدقني! ليس ذلك من سبب له الجنون , فهو يستطيع أن يتحمل كل تلك الضربات النفسية والهزات التي تعرض لها .
- فاروق : إذا تخبرني بأنه لم يفقد عقله بسبب الحياة التي عاشها ؟
- الطبيب : لا لاأظن ذلك! أنظر لقد قمت بدراسة هذه الظاهرة وأقصد (جنون الكتاب في سن مبكرة) دون غيرهم , فلما هم فقط من فقدوا عقولهم! فكما تعرف الكتابة مجالاتها كثيرة هناك من يكتب موضوعات متنوعة عن المجتمع والرياضة والصحة ومن يكتب القصة والرواية ومن يكتب الشعر والنثر ومن يكتب تقارير وبحوث ودراسات طبية وعلمية وغيرها والكثير والكثير , فالجميع يستطيع الكتابة فلما لم يصابوا بأي مرض!
- فاروق : لااعرف في الحقيقة , لست أهل للطب وعلم النفس ؟
- الطبيب : تبين لي بأن من يفقدون عقولهم (المؤلفين) وليس الكتاب , التأليف يختلف كثيرا عن الكتابة وفي الغالب مؤلفي القصة والرواية وبعض المجالات الأخرى .
- فاروق : لما هم دون غيرهم ؟
- الطبيب : لأنهم يخلقون شخصيات جديدة بكل مافيها وماتعيشه من مشاكل نفسية وصراعات ومايجري في حياتهم , فهذا ليس بالعمل الهين! لنفترض بأن مؤلفا كتب 50 قصة وفي كل قصة ما يقل عن شخصيتين , وإذا قمنا بحساب بسيط بما يعني 100 شخصية كتبها على الورق , هل تعي ما أقول ؟ فهذا المؤلف عايش 100 شخصية بكل مالديها من مشاكل وظروف يمر بها الأنسان , (فهذا الجو والمناخ) يحتاج إلى من يتحمله ولديه القدرة والأستطاعة على ذلك!
- فاروق : يوجد مؤلفون كثر! لم أجد أحدا يعاني مما قلت ؟
- الطبيب : هذا مانتاولته في دراستي! خلال بحثي عن هذا الأمر في علم النفس والكتب والمقالات وكل شيئا عن هذه الظاهرة والحالة لم اقرأ سببا منطقي لجنون هؤلاء الكتاب! الكثير من الأسباب ذكرت البعض قال بأنهم فقدوا عقولهم (بسبب الأبداع الكبير لديهم أو بسبب الوحدة والصداقات والمرأة والتفكير والعصاب والسوداوية والأكتئاب والحزن والعزلة) فكل المهتمين بهذه الظاهرة لديهم رأيا يختلف عن الاخر , لكنني لم أميل أو أصدق أحد من هذه الأسباب , وكما يقول المثل (مالايصدقه العقل يرفضه)! وخير شاهدا على ذلك الآيتين القرآنيتين : (لايكلف الله نفسا ألا وسعها)! (لايكلف الله نفسا ألا ما آتاها)! فحين ينعم الله على شخصا بموهبة دون غيره كالكتابة والرسم وسرعة البديهة والحلم والصبر والبصيرة وتحمل المشاكل ورؤية ماوراء الطبيعة والأشياء والكثير الكثير من النعم التي لاتحصى! فالله علام الغيوب يعطي الأنسان بقدر مايتحمله ليس أقل أو اكثر , لن يكلفه بشيء لايستطيع فعله , حين يقولون بأن الكتاب فقدوا عقولهم بسبب أبداعهم الزائد عن الحد أو التفكير والأنعزالية وووألخ , هذا منافي للآيتين القرآنيتين!
- فاروق : لكنك لم تجبني! هناك من يكتبون القصة والرواية وبأعداد هائلة ولم يحدث لهم شيء ؟
- الطبيب : بالطبع ليس الجميع! كل كاتب يختلف عن الآخر في طريقة كتابته , ربما تقول : أنهم يكتبون في ذات المجال فأين الأختلاف بينهم ؟ هنا أريدك أن تصغي جيدا لما سأقول! الأختلاف يكون (في التعمق الشديد داخل القصة وتلبس شخصياتها وتقمصها والعيش مع أحداثها والتأثر بما تفعله الشخصية الرئيسة فيها)! وليس كل من يكتبون يتعمقون أو ربما يتعمقون ولكن بدرجات قليلة جدا!
- فاروق : كيف ذلك ؟
- الطبيب : يجب أن تسال في البداية ؟ لما هذا الكاتب مبدع والآخر ليس كذلك ؟ ولما هذه القصة أو الرواية جميلة والأخرى سيئة ؟ أو لما بكيت وتأثرت في هذه القصة والأخرى لم أشعر بشيء ؟ فالأجابة والسر في ذلك (مدى تعمق الكاتب في عمله وتقمصه للشخصية وتعايشه معها)! فكاتب من هذا النوع حين تقرأ قصته تشعر بها وصدق مشاعرها وتحس بألم شخصياتها وتلامس أحاسيسهم وجروحهم وكأنك معهم أو تشاهدهم أمامك وتستشعربهم! حين يخبرك كاتبا بأنه يرى القصة وأحداثها وشخصياتها ماثلة أمامه كواقع! فهو حقا يشاهدها ويدركها رؤى العين والقلب لغوصه الشديد وأندماجه بداخلها .
- فاروق : قرأت عن ممثلين ومسرحيين يتقمصون شخصياتهم وأدوارهم بشدة , يتصرفون مثلها تماما دون أدراك لذلك , وبعضهم لايستطيع الخروج منها! وبعضهم يذهب للمصح النفسي ليتخلص منها ؟
- الطبيب : نعم , بدأت تفهمني الآن! فإذا كان الممثل يتقمص شخصية قرأها على الورق وعانى منها كثيرا! فلنسأل ؟ من قرأها تقمصها ؟ فكيف بمن كتبها وألفها ؟
- فاروق : أيضا هناك حلقة مفقودة ؟ يوجد الكثير ممن يتقمصون ولكن لم يفقدوا عقولهم ؟
- الطبيب : أنظر جيدا! الأندماج والتقمص كذلك تحتلف درجاته بين شخصية وأخرى! (هناك شخصيات لاتتقمصها ألا قليلا! وهناك شخصيات تستطيع أن تسيطر عليها وتتحكم بها! ولكن هناك شخصيات تخرج عن السيطرة وتتلبسك وتتملكك لسنوات طويلة)!
- فاروق : فهمت ماتعني! لكن أين (لؤي) من كل هذا ؟
- الطبيب : هذا ماجعلني اقوم بمتابعة حالته! فكثير ممن كتب عن هذه الظاهرة قام بدراسة حالة (نيتشه! وكيف فقد عقله)! (لؤي) أصابة ماأصاب من قبله وتسبب له بالجنون! لذا أظن (ولاأجزم هنا) بأن : (الشخصية الرئيسية في رواية (أدفنوا سري معي) تقمصها (لؤي) بشدة وتلبسته بشكل كبير فخرجت عن سيطرته , مما أصابه بخلل ذهني وعقلي حاد وأضطربات نفسية ومشاعر وأحاسيس متناقضة , فحدث صراعا شديد بين الشخصيتين في داخله (شخصيته الحقيقية والشخصية التي تلبسته) , وأضف إلى ذلك شيئا مهما جدا بأنه (سهره لعدة ليال وقلة نومه لتعاطيه المنبهات بشكل جنوني مما سبب له هلوسات كثيرة وأثر عليه بشدة , ونظرا لذلك الصراع والخلل والأضطراب والسهر والهلوسات أصيب بالجنون)!
- فاروق : أجد واقعية فيما تقول , لكنني لاأعرف في الحقيقة ؟
- الطبيب : كما أخبرتك سلفا! هذه دراسة تخصني لوحدي , كل من فعل ذلك من قبل لم يستنتج هذا لسبب بسيط جدا! أنهم يقومون بتحليل مارأوه أو سمعوه أو قرأوه , ولكن أحدا منهم لم يجرب ذلك بشخصه أو حدث له ذلك , فالمثل يقول (لو شاهدت الشيء مئة مرة! فلن تشعر به حتى تجربه بنفسك)!
- فاروق : (من فمك سأدينك)! قلت بأن الله لايكلف نفسا ألا وسعها! فما تفسيرك لهذا ؟
- الطبيب : هناك شيئا لاتعرفه! حين يتلبس الكاتب شخصية ما فهو (يستمتع) بذلك , وبالأخص حين تكون تلك الشخصية والأحداث التي تمر بها قوية ومؤثرة كشخصية فلسفية أو ثائرة أو أو أو , هنا تجده يعيشها ويتمسك بها ويحاول بشتى الطرق أن يبقيها داخله , فلقد أعتاد الكاتب على هذا الأمر ويستطيع التخلص من أي شخصية وقتما يريد! ولكن كما قلت لك هناك (شخصيات تسيطر عليك بشدة وتتحكم بك) , أضف إليها تمادي الكاتب في تقمصها فهنا يتسبب في فقدان عقله! ولكن (مايزيد عن الحد ينقلب إلى الضد) , فالطعام مفيد وأن أكثرت منه تصاب بالمرض , والرياضة كذلك والعمل وتناول الأدوية والجماع وكل شيء , فالجميع يعرف أضرار هذه الأشياء وبالرغم من ذلك يفعلونها! كذلك (لؤي) أكاد أجزم بأنه يعرف الأضرار المترتبة من ذلك ولكنه فعل وبدليل تعاطيه المنبهات بشكل متكرر أثناء كتابته وأدمانه على هذه العادة!

غمرت (فاروق) سعادة كبير بعد سماعه تحليل الطبيب أكان صحيحا أم لا! لكنه سيصدقه مجبرا ليزيل ثقل الهموم التي أكهلته , لحظات قال بعدها : لاأخفيك! أنك أزحت عن صدري غما أرقني في نومي!
- الطبيب : حسنا! قلت لي ماذا كان يعني (لؤي) بحلم الطفولة والقهر ومن باعوه! ولكن هناك شيئا لم أفهمه ؟ كان يردد دائما عن حلما يراوده! (حلما واحد فقط)! فما هو ياترى هذا الحلم ؟
- فاروق : في الحقيقة لاأعرف! ولكنني أشعر بالأرتياح الآن! وأريد أن أعود إلى المنزل ؟

هم بالخروج من المكتب , سار خطوات ثم توقف وتوقف! يفكر ويسترجع! يمينا شمالا! هنا وهناك! يفكر بعمق في حديث الطبيب و(لؤي) وهوس التلبس والشخصيات وكل شيء! يحك رأسه قليلا , شيئا ما تلاعب به في ثوان! كأن شخصية تلبسته مما سمع , دوامة حركت لبه من الداخل! , ماأخاف الطبيب من تصرفاته وجعله يفكر في الهروب من مكتبه مما شاهده وكأنه لم يقرأ في كل كتب النفس عن حالة كهذه , لحظات قال (فاروق) : ياإلهي! أنك محق , أنك محق!
قال الطبيب مرتبكا : مابك ؟
أبتسم (فاروق) ونظر إلى الأعلى والأسفل , وقال : (أقسم! بمن أحل القسم)! أنه عبقريا مجنون!
الطبيب في غمرة دهشته وكأنه بحاجة لطبيبا آخر يعالجه , قال : عما تتكلم ؟
فاروق : ماذا قلت قبل قليل ؟
شعر الطبيب وكأنه تهديدا ما , قال وهو يبتلع ماسد أنفاسه : لم أقل شيئا ؟
فاروق : لا لا , أعني ماذا قلت عن (لؤي) وحلمه ؟
ألتقط الطبيب شيئا مما تبعثر من فزعه , وقال : قلت (بأن هناك حلما واحدا كان يردده دائما)!
ضحك (فاروق) متعجبا وكأنه أكتشف شيئا ما , وقال : نعم نعم! ويحي! ويحي!
الطبيب الذي لايعرف أين يدور الفلك , شعر بتوترا وقال : يارجل! أرجوك! أخبرني ما القصة ؟
فاروق : يبدو أنك لم تفهم ماذا جرى ؟ لم تعي ما الذي حدث ؟
الطبيب : يجب أن تهدأ الآن ؟ وتقول لي مالخبر ؟

ظل (فاروق) ينظر إلى الأرض بغرابة مبتسما لحظة مفكرا أخرى , قال بعدها (مالم تكتبه علوم النفس كلها)! : اللعنة , لقد كان يعرف! لقد كان يخطط للأمر مسبقا! لقد كان يعلم بأنه تجاوز كل الخطوط والحدود وسيفقد عقله في أية لحظة!.

سكت (فاروق) قليلا بعد هستيريته إذ قاطعه شيئا ما , أكمل بعدها : لاأصدق بأنه فعلها! اللعنة (لقد وضع رهانا على نفسه)!

ظن الطبيب أن الشهادة التي يحملها مزورة , فقد ضاع في الشتات! قال حائرا : لاأ .....
يسرعة قاطعه (فاروق) : أنتظر أنتظر لحظة أرجوك! أريدك أن تجاريني فحسب ؟
- الطبيب : لك ماأردت ؟
- فاروق : قلت بأن دراستك وأبحاثك لظاهرة الجنون , لايعرفها غيرك أليس كذلك ؟
- الطبيب : نعم نعم!
- فاروق : قلت بأن (لؤي) كان يتمادى في تقمصه للشخصيات وهو يعرف ذلك جيدا , أليس صحيحا ؟
- الطبيب : إذا ...
- فاروق : سحقا يارجل! هذا ماكان رهانه! هذا ماتراهن عليه!

وكأن الأحداث كلها أنقلبت رأسا على عقب في مكتب الطبيب وبدلا من أن يجيب أصبح من يسأل , قال غاضبا : بئسا ياهذا! قضضت مضجعي جالسا , أخبرني مالحكاية ؟
قال (فاروق) الذي يعيش صدمة من تلك الرموز الغامضة : أريدك أن تسمعني بدقة , وتربط الخيوط فيما بينها ؟
الطبيب : بسرعة هيا! أنني أسمعك ؟

قال فاروق :
- أسم الرواية (أدفنوا سري معي)؟
- حين زارني (لؤي) في المنزل قبل أن يفقد عقله قال : (يجب أن يعرف العالم ماكنت أعانيه وأنا أكتب)؟
- وقال أيضا : (روايتي ستحمل أسمي من بعدي)؟
- وقال : (لن أدفن روايتي بل هي ستدفنني)؟
- أرادني كذلك أن أقطع له وعدا بأن أنشر الرواية؟
- ردد لي مرتين (تلك أسم روايتي : أدفنوا سري معي)؟
- حين زرته هنا في المستشفى , وأخبرته قصة حياته (قال : الشاب الذي تتحدث عنه! ذكرني بحلم راودني)؟
.. هل فهمت ماذا أعني أيها الطبيب ؟

ضاع الطبيب بين الخيوط لصغر حجمها وكثر ألوانها , وقال : لم أفهم شيئا حتى الآن ؟
غضب منه (فاروق) وقال : ويحك! أين ذهب العلم الذي لديك قبل قليل ؟ حسنا حسنا ؟ سأخبرك! ولكن أنتبه جيدا للمفردات التي قالها وبما تعنيه ؟ فحين يقول (روايتي) يقصد بها (حلمي)؟ وحين يقول (سري) يقصد بها (جنوني) ؟ الآن سأربط لك الأحداث ببعضها لتفهم ماأقول ؟

هنا (فاروق) راح يفك الرموز ويشرح الغموض ويحلل الألغاز ..!
- روايته (أدفنوا سري معي) : لم يعرف أحدا لم أسماها بذلك , فالأسم لايمت لأحداث الرواية بصلة! لكنه لم يكن يقصد الرواية بهذا الأسم , بل كان يشير إلى نفسه! ويعني بها (الجنون)! جنونه هو! أدفنوا سري معي! أي (أدفنوا جنوني معي)!.
- قوله (يجب أن يعرف العالم ماكنت أعانيه وأنا أكتب) : ويقصد معاناته في التلبس وتقمص الشخصيات! واحدة تلو الأخرى!.
- قوله (روايتي ستحمل أسمي من بعدي) : أي (حلمي)! حلمي هو الذي سيبقى ويخلد أسمي , حتى لو فقدت عقلي أو رحلت عن الدنيا!.
- قوله (لن أدفن روايتي بل هي ستدفنني) : أي (لن أدفن حلمي كالباقين)! بل سأدفن نفسي وأضحي لأجل حلمي!.
- وعده (الذي أخذه مني لنشر الرواية) : كان هذا بداية الرهان , وليضمن بأن مافعله لن يذهب سدى !.
- قوله (تلك أسم روايتي : أدفنوا سري معي) : أي (هذا هو حلمي : جنوني لايهمني أدفنوه معي)!.
- قوله (ذكرني بحلم راودني) : هنا بكى (فاروق) للحظات بهدوء وقال : أما هذه والله ماأقشعر منها بدني حينما عرفتها ؟ لأنها كانت السبب في كل ماجرى!

مسح (فاروق) الدموع من عينيه وأكمل حديثه بنغمة حزينة : ذكرني بحلم راودني كان يعني (ذكرني بالرهان الذي راودني)! رهانا قطعته على نفسي وأجبرني على (طريقين) أشد حلكة وظلمة من بعضهما : أما (الجنون أو الحلم)؟ فما السبيل وما الخلاص ؟ مجبرا أخترت الجنون! مجبرا دفنني الحلم! فالأحلام تظل وتخلد حتى لو دفن صاحبها! (أختار الجنون ليحقق الحلم)! الحلم الذي سيشاهده العالم يوما ما حقيقة! (الحقيقة التي ستغير مجرى التاريخ)!.


- مخرج : (هناك من يكتب السخافات وتربع على قمة العالم , وهناك من يكتب العجب وتلوى في الحضيض)!


(النهاية)

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الرابع :
ملاحظة مهمة :
خلال بحثي عن ظاهرة (جنون الكتاب والمؤلفين)! قرأت أشياء وأسباب ومعلومات كثيرة جدا , فلم أصل إلى حد الأقناع في معظمها , لذا أشير هنا بأن (تحليل الطبيب) في الرواية عن حالة فقدان العقل والأسباب التي ذكرها من البداية حتى النهاية هو مجرد (أجتهاد شخصي مني ووجهة نظر تخصني , تحتمل الصواب أو الخطأ)!

وبعيدا عن الدراسات وعلوم النفس! هناك أسباب جعلتني أعتمد هذا التحليل :
- أولا : أنني أردت أن تكتمل الرواية من كل جوانبها وسد الثغرات والخلل بداخلها , ومواكبة كل الأحداث التي تمر بها الشخصيات .
- ثانيا : كان عنصر الغموض والأحجيات والرموز مهم جدا في الرواية , لذا لم تحل ألا بعد (تحليل الطبيب).
- ثالثا : بما أن شخصية (لؤي) عبقرية! ويتعدى ذكاءه المعدل الطبيعي للأنسان العادي , فكل مايفعله ويفكر به يجب أن يتخطى عقول البشر , فحاولت أن أبحث عن أسباب (لحالة جنونه)! لم اقرأها من قبل ولم تخطر على بال أحد! وتكون قريبة من الواقع وبها مصداقية أكثر , فلم أجد أفضل من هذا التحليل الذي ذكرته .




كنتم مع ...


رواية

(أدفنوا سري معي)




بقلم : مثير الجدل

__________________________________________________ __________

<h3>>>>> الرد الخامس :
يعطيك العافيه على القصة
قصة مثيره فعلآ شدتنا
هل المؤلفين يصلون الى هذه الحاله فعلآ بسبب الكتابه ؟؟؟
اول مره اعرف هالمعلومه ..!

لي ملاحظة على تسميتها بالرواية
حسب معرفتي الروايه تكون من فصول و اجزاء طويل تكون عشر فصول او اكثر
والقصة منها القصيره التى لاتتجاوز الصفحه ومنها القصة الطويله التى تصل الى خمس صفحات
وهذه التى طرحتها حسب معرفتي قصة طويله لم تتجاوز الثلاث صفحات
لهذا نقلتها لقسم القصص لانه الانسب ..

وان شاءالله تلاقي اقبال
تقديري لك و لقلمك المميز هنا ..