عنوان الموضوع : لا تَغتر بما حَولك ... واحذر الاستدراجَ فقه الاسلام
مقدم من طرف منتديات الضمير العربي

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تَغتر بما حَولك ... واحذر الاستدراجَ


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعدُ:

من نظر حوله وجد أن الله فتح أبواباً من الخير بلا حدود، على أناس ليس لَهم كثيُر ديانَة أو حَظ من عبادة، كفار كانوا أو عصاة، وهذا يدفع بعضاً من الناس إلَى القول: كيف وسع لَهم في النعم وهم الذين عصوه، ولَم يطيعوه؟!



ويتساءل آخرون لماذا هؤلاء الكفار والعصاة، فُتحت لَهم أبواب الدنيا، ما يريدونه في متناولهم! وما سعوا إلَى شيء من أمر الدنيا إلا وكان من نصيبهم؟! وإذا نظرت إلَى ظاهر حالهم خرجت بما يوحي أن القوم يعيشون السعادة بطولهَا وعرضها، يتمتعون بالنصيب الأكبر من الراحة والدعة والاطمئنان والإمهال، قال تعالَى ( اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)[الرعد: 26]، لقد أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الحجج فأعرضوا عن الآخرة، وأقبلوا على الحياة الدنيا، قال تعالَى (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَليل)[التوبة: 39].





عندما يعتقد العصاة أنهم نالوا الرضا!!

وقد يعتقد العصاة عندما فتحت لَهم أبواب الدنيا ورزقوا نعيماً، أن ما هم عليه من باطل تجاوزه الله سبحانه ويرون أنه كلما ازدادوا معصية شاهدوا زيادة نعمة، فشعروا باستقرار النفس، ولسان حالهم نَحن مرضي عنا، ومن جهة بعض المؤمنين الذين من لَم يتمكن الإيمان من قلبه يؤثر فيه ما يراه من مَشهد العصاة، وتعرضُ كثير من أهل الإيْمان لأنواع الاختبارات والْمحن، وينطلق الشيطان يلبس على الْمُؤمنين، ويشكك بطريقتهم الْمُثلى، ويشمت بهم، فالْخيراتُ فُتحت لاتباعه، وَضُيّقَت على من أعرض عن خطواته وترك سبيله، قال تعالَى ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ )[الزخرف: 37]، والعلة والحكمة في ذلك يا عباد الله! والسر الخفي أن هؤلاء مُستدرجون إلَى النار، والْمؤمنين مفتَّحة لَهم أبواب الْجنان، إن ما يعيشه أولئك من حياة وعيش يراه الناسُ جميلا هو نوع من العقوبة يقع فيه من يستحقه، عقوبة بسبب الإعراض عن دين الله، قال عز من قائل: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)[التوبة:55]، وذلك بًما قدمت أيديهم وليس ظلما لَهم، قال تعالَى ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت:46].




عقوبة الاستدراج

إن الذين بسطت لَهم الدنيا عقوبة من الله لن يستطيعوا رفع رؤوسهم ليبصروا حقيقة، ويعرفوا زيفاً، ويكشفوا باطلاً، قال تعالَى (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ -أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ - نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ)[المؤمنون:56ـ54]

وفي الآية: أي هل يعتقدون أن ما نُمدهم به من مال وبنين وخيرات خير لَهم، ونوع من الإكرام والتفضيل على باقي خلق الله وقوله: (أَنَّمَا نُمًدُّهُمْ) أي يُملي لَهم ويزيدهم، وَبَيَّنه في قوله تعالَى(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )[آل عمران: 178]،
وفي هذا الإمهال وما ينهال عليهم من الخيرات، هو استهزاء ومكر واستدراج من الله تعالَى بهم، عندما أعرضوا عن ذكر الله وإفراده بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والعمل بالْمَأمورات وترك الْمنهيات ولَم يصغوا لنصح الناصحين، ولَم يبالوا بدعوة الأنبياء والْمرسلين قال تعالَى(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[البقرة: 15] .




( كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة )

وقال تعالَى: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ - وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[القلم:45ـ44]

أولا: أصل الاستدراج اغترارُ الْمُسْتَدْرَجُ بلُطف مَنْ استدرجه، حيث يرى الْمُسْتَدَرَجُ أَنَّ الْمُسْتَدْرِجَ إليه مُحسن، حتى يورّطه الْمَهالك، وقوله(سَنَسْتَدْرجُهُمْ) الاستدراج استفعال من الدرجة أي نسوقهم إلى الْهلاك شيئا بعد شيء وهم لا يشعرون، وسنسترقهم شيئاً بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم، والإمهال لَهم حتى يغترّوا ويظنّوا أَنَّهم لا ينالُهم عقاب، ولذا يأخذهم إلَى الْهلاك دون أن يشعروا، وقيل: الاستدراج من الله هو أن العبد كلما ازداد معصية زاده الله تعالَى نعمة، وقيل: هو أن يكثر عليه النعم وينسيه الشكر، ثم يأخذه بغتة» فهذا هو الاستدراج من حيث لا يعلمون.

ثانيا (وَأُمْلي لَهُمْ) والإملاء هو الإمهال مع إرادة العقوبة، فيُملي لَهم في الآجال ويطيل أعمارهم، وقد يغبطهم آخرون على ذلك ولكن مصابهم جلل (ليزدادوا إثماً)، ولذا قال بعض أهل العلم: كلما أحدثوا ذنبا أحدث لَهم نعمة، وما هذه الأنعام في دنياهم من صحّة الأبدان ورخاء العيش الذي يتقلبون فيه» إلا عذاب لَهم، ووبال عليهم، واستدراج لَهم، قال تعالَى(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )[الأعراف: 99] حتى يكون مآلهم النار وساءت مصيرا،

روى عبد الله بنُ الْمُبارك في كتاب الزهد (1/109) قال: أَخبرنا حرملةُ بنُ عمران، قال: سَمعتُ عُقْبة بن مسلم يقول: إذا كان الرجل على معصية الله ـ أو قال: على معاصي الله ـ فأَعطاه اللهُ ما يُحبُّ على ذلك، فَلْيَعلَمْ أنه في استدْراج منهُ.

وروى أحمد في المسند (4/145)عن عُقبة بن عامر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فَإًنَّما هو اسْتًدراج»، ثُم تَلا رَسُولُ اللهً صلى الله عليه وسلم: «(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ). والحديث حسن، وفي سنده رشدين بن سعد تابعه عبد الله بن صالح كاتب الليث عن حرملة بن عمران التجيبي في رواية الطبراني في الكبير (17/330).


وقال تعالَى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )[الأنعام:44]،
قوله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكّرُوا به)، بمَعنَى تركوا ما ذكروا به، والتارك للشيء إعراضا عنه هو بمنزلة مَنْ قد نسي أو تَنَاسَى،
(فَتَحْنَا عَلَيْهمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء) أي أغدق عليهم صحة وسعة، ومن صنوف النعم، وأنواع الخيرات وزادها كثرة، وهنا الإنسان إذا لَم يكن له من الله حافظ لابد وأن يزداد غفلةً ونسياناً، لا هم له إلا ماذا يفعل بأصناف الخيرات وهذا النعيم،
(حَتَّى إذَا فَرحُوا بمَا أُوتُوا) فرحوا بهذا العطاء وظنوا أنه رضى من الله تعالَى عنهم، فحياة طويلة، وعطاء لا يبيد،
(أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة) وقول الله: بغتة معناه فجأة، وهي الأخذ على غرة، دون أن يسبق ذلك اشارة أو يشعر بأمارة، فمن يؤخذ وهو غار غافل فقد أخذ بغتة، وما من شيء أشد وأنكى على الانسان من الْمُفاجأة، والْمُباغتة،(فَإذَا هُمْ مُبْلسُونَ) والْمبلس الباهت الحزين الآيس من الخير، فهم آيسون متحسرون، وأصله الإطراق حزناً لما أصابه، ولا يَجد جوابا لشدة ما نزل به من سوء الحال، أو ندماً على ما فاته.



خوف الاستدراج

خوف الاستدراج: وهو خوف الاستدراج بالنعم وتواترها، وقال بعضهم: أقرب حال إلَى الاستدراج الأمن والدعة، وتواتر النعم عليك وترادف الخيرات عندك، فالواجب أن نخاف الاستدراج، وعلى المسلم التنبه لذلك لئلا يقع في الاستدراج ويغفل عن نفسه.

ومن علامات الاستدراج العمى عن عيوب النفس،
ومن أمارات الاستدراج ارتكابُ الزلة،
والاغترارُ بزمان المُهْلة،
وحَمْلُ تأخير العقوبة على أنه من أهل القُرْبَة،
ومن علامات الاستدراج التمكين من النّعم مقروناً بنسيان الشكر،
وأعلموا عباد الله أن باب الْهَلَكَة بالابتعاد عن الطاعات يبدأ بتلطف في الاستدراج أولا، ويتوصل إلَى الإهلاك آخرا.

فكيف لايُخاف منه وقد قالوا في معناه: الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم، والاستدراج أن ندرج إلَى الشيء في خفيّة قليلاً قليلاً ولا يباغت ولا يجاهر، يقال: اسْتَدْرج فلاناً حتّى تعرف ما صنع أي لا يُجاهر ولا يهجم عليه، قال: ولكن استخرج ما عنده قليلاً قليلاً.




لا تنشغل بمن حولك فالأرزاق مقسومة

لذا على المؤمن أن لا يلتفت يمينا وَشًمالا، يطيل النظر ويشغل النفس قال تعالَى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )[طه:131]،

واعلموا عباد الله أن الله عز وجل كتب الآجال، والأعمال، وقسّم الأرزاق بين عباده وجعل منهم شقي وسعيد، قال الله تعالَى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا )[الحج: 5]،

وقال تعالَى(فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)[هود: 105]،

وروى البخاري(3208)، ومسلم(2643) في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود رضيَ الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثُمَّ يكون عَلَقَة مثلَ ذلك، ثُمَّ يكون مُضغة مثلَ ذلك، ثُمَّ يُرسلُ الْمَلكُ فيُنفخُ فيه الروح، ويؤمرُ بَأََربع كلمات بكَتْب رزقه، وأجله، وعمله، وشَقيّ أَو سَعيد».




د/عبد العزيز بن ندَى العتيـبي

تاريخ النشر: الاثنين 24/9/2017

جريدة الوطن

منقول

>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :
يزاج الله خير على المجهود الطيب

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :
بارك الله فيج وفي ميزان حسناتج

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :